يتساوق سلوك جيش العدو في كل محاور القتال في قطاع غزة، مع ما صرّح به رئيس أركانه، هرتسي هليفي، الذي أكد أن الضغط العسكري على حركة «حماس» سيتواصل لإجبارها على القبول بصفقة تبادل «مرضية»، إذ سجّل المشهد الميداني في شمال وادي غزة وجنوبه انقلاباً خلال اليومين الماضيين؛ وإلى جانب العملية البرية المستمرة في مناطق شرق محافظة خانيونس، عاد جيش الاحتلال إلى التوغّل في مناطق جنوب غرب مدينة غزة، وتحديداً حي تل الهوى والأطراف الجنوبية لحيي الشيخ عجلين والزيتون، وهي مناطق انسحب منها قبل أقل من أسبوعين، بعد توغّل استمر سبعة أيام.
وفي مقابل ذلك، لم تظهر المقاومة أي تراجع ميداني، يُمكن أن يُفسَّر بأن الضغط “الإسرائيلي” استطاع تحقيق ما يراد منه، بل على العكس، ضاعفت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة من حضورها.
ففي تل الهوى، مثلاً، الحي الذي سجّل الرقم القياسي في عدد مرات التوغّل، والتي تجاوزت سبعاً منذ بدء العملية العسكرية، تمكّنت المقاومة، أمس، بعد ثلاث ساعات من بدء التوغل، من تنفيذ ثماني عمليات قتالية، تنوعت ما بين قنص وتفجير عبوات واستهداف دبابات. وسجّلت «سرايا القدس» وأذرع عسكرية أخرى حضورها إلى جانب «كتائب القسام» في تلك العمليات، ما يعني أن الأذرع العسكرية كافة تعيد ترميم نفسها على نحو مرن وسريع، وتواصل تجهيز الشراك والكمائن في المناطق التي تشهد ضغطاً كبيراً.
أما في مدينة رفح، جنوبي القطاع، والتي تتواصل العملية البرية فيها للشهر الثاني على التوالي، فتُظهر المشاهد المصوّرة التي نشرها «الإعلام العسكري» التابع لـ«كتائب القسام»، أمس، وهي الجزء الثاني من إصدارات حملت عنوان «كمائن الموت»، أن المقاومين تمكّنوا من استدراج عدد من الجنود “الإسرائيليين” إلى كمينين في مخيمي يبنا والشابورة.
وفي الكمين الأول، استدرج المقاومون تسعة جنود إلى منزل مفخّخ في مخيم يبنا، وأوقعوهم جميعاً بين قتيل وجريح، فيما تُظهر المشاهد كميناً محكماً آخر تمكّن خلاله المقاومون من تفجير فتحة نفق موجودة في داخل أحد المنازل في الشابورة بعدد من الجنود. ويحرم هذا المجهود القتالي المتواصل، والذي توثّقه المقاومة بالصوت والصورة، العدو، على مشارف اليوم الـ300 من الحرب، من الإعلان عن القضاء على كتائب المقاومة، في أي زقاق من أزقة القطاع، حيث لم يحقّق حتى اليوم «مواتاً ميدانياً»، لا في شمال غزة ولا جنوبها.
وفي التفاصيل، أقر جيش الاحتلال بمقتل جنديين في معارك القطاع خلال اليومين الماضيين، فيما أعلنت المقاومة عن عشرات المهمات القتالية التي تنوّعت ما بين قنص وإطلاق قذائف وقصف مستوطنات غلاف غزة بالصواريخ، فضلاً عن تفجير دبابات وآليات بقذائف مضادة للدروع وعبوات أرضية وجانبية.
وأعلنت «كتائب القسام» أن مقاوميها فجّروا دبابتي «ميركافا» كان حولهما عدد من الجنود في حي تل الهوى بعبوتي «شواظ»، كما أعلنت الكتائب تفجير عبوة رعدية مضادة للأفراد بقوة مشاة في الحي نفسه. وأكدت «القسام» أن العملية تسببت بإيقاع أفراد القوة بين قتيل وجريح، فيما أبلغت عن قنص جندي “إسرائيلي” واستهداف دبابة «ميركافا» بقذيفة «الياسين 105»، في المحور نفسه. وأشارت الكتائب أيضاً إلى إطلاق صاروخ مضاد للطائرات من نوع «سام 7» في اتجاه طائرة مروحية كانت تحلّق في سماء تل الهوى.
وبدورها، تحدّثت «سرايا القدس» عن تفجير دبابة بعبوة برميلية من نوع «ثاقب»، وأعلنت كذلك أن مقاوميها اشتبكوا مع قوة خاصة كانت تتحصّن في منزل قرب مدرسة النيل في تل الهوى. وبالتوازي مع كثافة العمليات الميدانية، قالت «سرايا القدس» و«كتائب المجاهدين»، إن مقاتليهما استهدفوا مدينة عسقلان ومقر قيادة فرقة غزة في مستوطنة «ريعيم» برشقة صاروخية. كما أمطرت الأذرع العسكرية لفصائل المقاومة القوات المتوغّلة في أحياء جنوب غرب مدينة غزة بقذائف الهاون.
أما في رفح، فقد أبلغت الأذرع العسكرية للفصائل عن جملة من المهمات القتالية، إذ قالت «كتائب شهداء الأقصى» إن مقاوميها استهدفوا دبابة بقذيفة «آر بي جي» شرق المدينة. وفي حي تل السلطان، أعلنت «سرايا القدس» أن مقاوميها تمكّنوا بالاشتراك مع «قوات عمر القاسم» من استهداف آلية عسكرية بقذيفة «آر بي جي»، كما أكدت أن مقاوميها استهدفوا قوات العدو المتمركزة في محيط معبر رفح البري بقذائف الهاون. وفي محور القتال شرق مدينة خانيونس، أبلغت الأذرع العسكرية عن قصفها القوات المتوغّلة بوابل من قذائف الهاون.
وفي محصّلة الأمر، تريد المقاومة استغلال فرصة الالتحام المباشر لتحقيق نتيجة عكسية لأهداف العدو، إذ يحقّق تراكم خسائره في الجنود والآليات مبدأ الضغط المتبادل على الأقل، ما يزيد من رغبة المؤسسة الأمنية وضغطها على المستوى السياسي “الإسرائيلي” للإسراع في الذهاب إلى صفقة تبادل، حتى وإن دفع فيها ثمناً مرتفعاً.