نشر موقع “بوبيولار ساينس” تقريرًا تطرق فيه إلى الأسباب التي تفسّر شعور الإنسان بالدغدغة.
وقال الموقع، في هذا التقرير الذي ترجمته “عربي21″، إن هناك العديد من أنواع اللمسات عند الإنسان، لكن وحدها الدغدغة تثير الضحك. وفيما يلي، توضيح لسبب وكيفية إثارة الدغدغة لنوبات من الضحك لا يمكن السيطرة عليها.
وحسب ساندرا برولس، وهي طالبة دكتوراه في مركز برنشتاين لعلم الأعصاب التكنولوجي في برلين بألمانيا، فإن الدغدغة “استجابة فريدة من نوعها. وهناك بعض الخصوصيات الرائعة في هذا الأمر”. وقد درست برولس استجابة الإنسان للدغدغة في أبحاثها في علم الأعصاب. وعلى الرغم من أنه لا تزال هناك بعض الألغاز الرئيسية والأمور المجهولة، إلا أن العلماء مثلها توصلوا إلى بعض الإجابات والتفسيرات المثيرة للاهتمام حول سبب حساسيتنا للدغدغة وما يحدث أثناء التعرض لها.
وأشار الموقع إلى أن الغرض من حساسية الإنسان للدغدغة غير معروف نسبيًا، ولكن هناك بعض النظريات وإحداها تشير إلى أنها آلية دفاع عن أجزاء الجسم الضعيفة، أو من الممكن أن تكون الدغدغة طريقة لحماية المناطق الرقيقة والهشة. لكن يشكك شيمبي إيشياما، عالم الأعصاب في المعهد المركزي للصحة العقلية في مانهايم بألمانيا، في هذه الفكرة نظراً لأن أكثر أجزاء أجسامنا هشاشة وحساسيةً للدغدغة لا تتطابق تمامًا مع هذه الصفات.
باطن القدم
فعلى سبيل المثال، معظم الأشخاص حساسّون للغاية للدغدغة في باطن أقدامهم، ولكن الأقدام ليست الجزء الأكثر احتياجًا للحماية في أجسامنا حسب إيشياما. وهو يرى أن هناك الكثير من الاستثناءات ولا يعتقد أنها نظرية حاسمة حقًا. ويوضح إيشياما أن الدغدغة هي نوع من المرح والترابط الاجتماعي. وربما تكون للممارسة الدفاعية فائدة إضافية، فالبشر ليسوا المخلوقات الوحيدة الحساسة للدغدغة، إذ تُظهر القردة العليا الأخرى وبعض القوارض (وتحديداً الفئران) نوعاً مماثلاً من الاستجابة للدغدغة، والقاسم المشترك بين جميع الحيوانات الحساسة للدغدغة هو أنها “ثدييات اجتماعية للغاية” تلعب وتتعامل بخشونة وتتواصل مع بعضها البعض.
وتطرق الموقع إلى نقاط أخرى تدعم نظرية المرح. ووفقا لبرولس فإن الدغدغة تعتمد على العاطفة والسياق، إذ يكون البشر والحيوانات عمومًا أكثر حساسية للدغدغة عندما يكونون في مزاج إيجابي ومرح. وتختلف الاستجابة بناءً على درجة الألفة، حيث يقل احتمال تفاعل الشخص مع الدغدغة بالضحك إذا كان هناك شخص غريب يقوم بها، ويمكن للقلق أيضًا أن يقلل من الحساسية للدغدغة باستثناء بعض الحالات القليلة المرتبطة باضطرابات مثل الفصام. ولا يمكننا دغدغة أنفسنا لأنها استجابة موجودة فقط في البيئات الاجتماعية.
وقد تتبع علماء الأعصاب بعض مناطق الدماغ التي تتفاعل مع عملية الدغدغة. ففي دراسة أجريت على الفئران، تبين أن نفس الدوائر الحسية الجسدية المشاركة في سلوك اللعب تضيء أيضاً عندما يتعرض الكائن للدغدغة، وتشمل مناطق الدماغ الأخرى التي تصبح نشطة مع الدغدغة تلك المناطق المسؤولة عن معالجة اللمس، وتلك المرتبطة باستجابة القتال أو الهروب والأصوات، والمناطق العاطفية مثل اللوزة والقشرة الحزامية الأمامية.
من منظور الاستمتاع، أشار إيشياما إلى أن الضحك هو علامة على البهجة والسرور، وعلى الرغم من وجود جانب من الانزعاج فيها، إلا أن الدغدغة في الغالب نشاط مبهج وخير دليل على ذلك الملاحظات التجريبية والقصصية التي تشير إلى أن كلاً من البشر والفئران على حد سواء سوف يتحينون فرص الدغدغة حتى لو كانوا في لحظة التلامس يتظاهرون بالهروب منها.
ازدواجية في المشاعر
والغريب في الأمر أن البشر والفئران يظهرون ازدواجية في المشاعر وعلامات خوف في المواقف التي يعرفون فيها أن الدغدغة محتملة لكن هذا لا يمنع كليهما من العودة من أجل المزيد. وقد يكون مزيج المشاعر الناجم عن الدغدغة المحتملة مشابهًا لمزيج المشاعر التي تنتاب شخصًا يترقب بفارغ الصبر جولة في منزل مسكون أو فيلم مرعب. وحسب إيشياما، فإن القليل من الخوف في المتعة هو ما يجعل اللعب أكثر متعة لأنه بخلاف ذلك لا يكون الأمر مثيرًا حقًا.
وأشار الموقع إلى الجوانب الإيجابية للدغدغة، على غرار إثارة استجابة عصبية وجسدية كبيرة. فهي تحث على الحركة اللاإرادية، وتغير إيقاع التنفس، وتضيء مناطق متعددة من الدماغ، وغالباً ما تترك الشخص يلهث للتنفس، ولكن يمكن أن تتحول بسرعة إلى مصدر توتر.
وتشهد الروايات التاريخية على أن الدغدغة كانت تُستخدم في الماضي كشكل من أشكال التعذيب لأنها عندما تكون خارج السياق الإيجابي للعب والألفة يمكن أن تولّد إحساسًا مزعجاً للغاية، خاصة عندما تكون خارجة عن سيطرتك. في مثل هذه الحالات، قالت برولس إن استجابة الضحية في مثل هذه الحالات قد تبدو مختلفة وأشبه بالضيق وأقل شبهاً بالضحك.
وذكر إيشياما أن الدغدغة لا تزال ظاهرة غير مفهومة بالكامل. وهو من المدافعين عن دراسة المشاعر الإيجابية، وهدفه النهائي هو فهم آلية المرح في الدماغ، لكنه يرى أن معظم أبحاث علم الأعصاب تركز على الأمراض والاضطرابات. وربما نتيجة لذلك، لا يزال هناك الكثير من الأمور المجهولة عندما يتعلق الأمر بالدغدغة. فعلى سبيل المثال، بعض الأشخاص حساسون جداً للدغدغة، في حين أن قلة لا يشعرون بالدغدغة على الإطلاق.
وأشارت برولس إلى أن هناك بعض العوامل الوراثية التي تلعب دورًا في الحساسية للدغدغة، ولكن “هذا أحد الألغاز الكبيرة”. وهناك آلية فسيولوجية عصبية دقيقة كامنة وراء الدغدغة الذاتية، التي لم يكتشفوها بعد. وذكر إيشياما أنهم لا يعرفون عدد الحيوانات الأخرى التي تعاني من الدغدغة، إذ بدأوا للتو إجراء أبحاث على الفئران. وأشار أيضاً إلى أن الاعتماد على العمر هو سؤال مستمر، إذ يبدو أن الدغدغة تتضاءل مع النضج والسبب غير معروف.