يتصدر ملف تصحيح مسار الهجرة واللجوء الاهتمامات الحزبية في ألمانيا عشية الانتخابات العامة المقررة في 23 شباط/فبراير الجاري، فبين من يطالبون بتدابير أكثر صرامة ومن يدعمون حق حماية اللاجئين، بينت استطلاعات رأي أن قضية الهجرة تتصدر مخاوف الألمان، تليها الأزمة الاقتصادية ثم السياسات الخارجية لألمانيا. يأتي ذلك، في وقت تتزايد الجرائم التي يشتبه بأن منفذيها من أصول مهاجرة، وكان آخرها قبل أيام في أشافنبورغ في ولاية بافاريا، حيث أودت عملية طعن بسكين بحياة شخصين وجرح آخرين.
ويشدد الحزب الاشتراكي الديموقراطي الحاكم على أهمية تطبيق نظام اللجوء الأوروبي المشترك المقرر أن يدخل حيز التنفيذ عام 2026، مؤكداً أنه يقدر المعايير الإنسانية المشتركة للاجئين والتي يتحكم فيها عامل التضامن بين دول التكتل الأوروبي، ورافضاً إغلاق الحدود الداخلية الأوروبية.
كما وعد بتسريع إجراءات اللجوء من أجل تحقيق المزيد من عمليات الإعادة، وبتشديد الرقابة على دخول اللاجئين غير الشرعيين إلى البلاد. إضافة إلى ذلك، يهم الاشتراكي الحفاظ على لم شمل الأسرة لأصحاب الحماية الفرعية، كما والتزامه المساهمة في عمليات إنقاذ المهاجرين من البحر ومكافحة عمليات تهريب البشر، ناهيك عن أنه سيوفر عمليات ترحيل سريعة ومتسقة، وبخاصة للمجرمين والخطرين.
أما حزب الخضر الذي يعتبر أن ألمانيا بلد هجرة، فيجد أن قبول العمالة الماهرة يضمن الرخاء والمكانة الاقتصادية لقاطرة أوروبا، طارحاً سياسة فعالة للاجئين تجمع بين الإنسانية وتطبيق القانون. عدا ذلك، يعتزم الخضر الحد من البيروقراطية لضمان ثقافة حقيقية للترحيب باللاجئين مع أهمية التمييز الجوهري بين الهجرة غير النظامية والعمالة الشرعية، مكرراً دعوته إلى ترحيل المرتكبين بعد قضاء فترة محكوميتهم.
أما الليبرالي الحر فيطمح إلى قانون هجرة موحد يجمع كل الأسس القانونية للهجرة واللجوء. ومن حيث المبدأ، ينبغي تسيير الهجرة نحو سوق العمل، حتى بالنسبة إلى العمال المهرة غير الأكاديميين، فضلاً عن أنه يتعين السماح لطالبي اللجوء الذين يحق لهم البقاء بالعمل في أسرع وقت ممكن، مقترحاً منح المزيد من الحوافز للعمل مع منافع اجتماعية أقل، ومع حرمان أي شخص مطلوب منه مغادرة البلاد أو يعيق تثبيت هويته من أن يتلقى الدعم من إعانات الدولة، فضلاً عن إبرام المزيد من اتفاقيات الهجرة وفرض شروط صارمة على عملية التجنّس.
ويرفض حزب اليسار الذي يشدد على أن الحصول على اللجوء حق إنساني، ترحيل حتى المجرمين، ويرى أنه يجب السماح للاجئين بالعمل منذ اليوم الأول، وبعد 5 سنوات يجب أن يتمتع الجميع بالحق القانوني في التجنّس. أما حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي المناهض للهجرة، فيريد إنهاء الهجرة غير المنضبطة لملايين الأشخاص، والعمل على إرساء الضوابط والمنع على الحدود كحق بديهي، على ألا يسمح لأي شخص يدخل البلاد من بلد ثالث آمن بالتقدم بطلب اللجوء في ألمانيا وبأن يتم إيقاف اللاجئين على الحدود في مراكز احتجاز، وترحيل الأشخاص الذين لا يحق لهم البقاء في البلاد ومنع لم شمل الأسر لأصحاب الحماية الفرعية، مؤيداً حملة إعادة شاملة إلى بلدانهم الأصلية أو إلى دولة ثالثة مستعدة لقبولهم، مع منح حق الإقامة الدائمة لطالبي اللجوء المعترف بهم فقط بعد عشر سنوات، فيما يدعو تحالف سارة فاغنكنشت إلى وضع حد للهجرة غير النظامية لأنها تفرض ضغوطاً كبيرة على المجتمع والأنظمة الاجتماعية في البلاد، عدا عن أخطارها الأمنية.
وبحكم أن الاتحاد المسيحي، أكبر أحزاب المعارضة الذي يتحضر للظفر بجنة الحكم بعد الانتخابات البرلمانية العامة المبكرة، يهدف إلى تحقيق منعطف أساسي في سياسة الهجرة، فقد حقق مع البديل والليبرالي الحر وبعض المستقلين أغلبية في البوندستاغ لمقترح يدعو إلى ترتيب عمليات رفض شاملة عند الحدود الألمانية. ويجيز مشروع قانون سعى لإقراره الاحتجاز الدائم للاجئين المطلوب منهم مغادرة البلاد والذين لا يمكن ترحيلهم ولم يغادروا طواعية، فضلاً عن الرفض الكامل لكل طلبات اللجوء على الحدود الألمانية، وإسقاط الجنسية الألمانية عن المواطنين من مزدوجي الجنسية الذين يرتكبون جرائم خطيرة، كما وإنهاء عمليات لم الشمل للحاصلين على وضع حماية فرعية والذين يقتصر عددهم حالياً على 1000 شخص شهرياً. مع العلم أن المشروع لم يمر مرحلياً، وسقط بالتصويت يوم الجمعة الماضي في البوندستاغ.
علاوة على ذلك، يريد الاتحاد المسيحي سن قانون يحد من التدفق غير الشرعي لمواطني الدول الثالثة إلى ألمانيا.
الباحث السياسي توماس برغمان قال” إن تصويت البوندستاغ ضد مشروع قانون الاتحاد المسيحي وعرابه فريدريش ميرز الذي آثر التعاون مع حزب البديل، “ستكون له تبعات سلبية على حزبه ومقامرته الخاسرة، والبرهان خروج تظاهرات احتجاجية تضم عشرات آلاف الأشخاص تعارض التعاون مع اليمين الشعبوي وأطروحاته الصارمة”، مرجحاً خسارته عدداً من النقاط قبل موعد الانتخابات لمصلحة حزبي الاشتراكي الديموقراطي والخضر الداعمين لسياسة هجرة طموحة بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.