More

    حارس الذاكرة

    أكاديمية دراسات اللاجئين هي مؤسسة أكاديمية تطوعيّة، أخذت على عاتقها تدريس القضيّة الفلسطينية وما يتصل بها عن طريق دبلومات مختلفة، على طول العام، دراسةً مجانيّة، خدمة للقضيّة الفلسطينية، والحق الفلسطيني في إثبات وجوده وهويّته في ظلّ احتلال إحلاليٍّ غاشم، استوطن الأرض وهجّر أصحابها، وعمد إلى الهيمنة على الذاكرة الفلسطينية من أجل محوها واستبعادها من الكتابة التاريخية، وترسيخ الهوية الاستعماريّة وسيطرتها.

    وإزاء محاولات التهويد، وحفظًا للهويّة الفلسطينية من الاستلاب نهضت الأكاديمية ممثلةً بإدارتها وفريق العمل بجهود مضنية في سبيل تحقيق الهدف المنشود، وقد وضعت نصب عينيها أنّها ليست مؤسسة تعليمية فحسب؛ إنّما مؤسسة تتخذ من المعرفة سلاحًا تشرعه في وجه كل المحاولات الصهيونية في تهويد الهويّة الفلسطينية بتمثّلاتها كلها في الأرض، والتاريخ، والثقافة، والعادات والتقاليد، وغير ذلك من مكوّنات الهويّة الجمعية، ومحاولات الاحتلال في بناء سرديّة جديدة تمحو السردية الأصليّة منذ عام 1948، عام النّكبة، عندما ارتكبت العصابات الصهيونية أبشع المجازر بحق الشعب الفلسطيني. فنهضت الأكاديمية ضمن خطتها التدريسية بمجموعة من الدبلومات والدورات المهتمة بتدريس القضية الفلسطينية، لعلّ أهمها دبلوم الدراسات الفلسطينية السنوي، وهو دبلوم طويل يتكون من ثلاثة فصول بواقع 100 ساعة، يدرس فيه الطالب عدة مساقات، ويتكون كل مساق من مجموعة محاضرات، منها: مساق تاريخ فلسطين، مساق القدس الذي يضم محاضرات عن واقع الصراع الديموغرافي والقانوني في القدس وما تتعرض له من التهويد، ومساق الصهيونية، ومساق اللاجئون الفلسطينيون الذي يتناول واقع اللجوء الفلسطيني في المناطق الخمس بالإضافة إلى مصر والعراق، وغير ذلك. ويجتاز الطالب الدبلوم من خلال الحضور المباشر وتقديم الاختبارات ومتطلبات التخرج الأخرى وهي خدمة المجتمع، وكتابة بحث في حدى القضايا الفلسطينية.

    وبالتزامن مع دبلوم الدراسات الفلسطينية تعقد الأكاديمية دبلومات أخرى قصيرة ومكثفة لا تزيد عن اثنتي عشرة إلى أربع عشرة محاضرة ثم اختبار شامل، منها: الدبلوم المكثف في المقاومة الفلسطينية بجزأين، الدبلوم المكثف في الدبلوماسية والعلاقات الدولية، والدبلوم المكثف في التراث الفلسطيني وغيرها. وتهدف هذه الدبلومات إلى حفظ الذاكرة الفلسطينية الجمعية، وتصحيح المفاهيم المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وإبقاء القضية الفلسطينية حيةً في القلوب، وتزويد الدارس بأدوات العلم والمعرفة التي تحميه من الوقوف جاهلًا أمام العدو الصهيوني.

    وتمثّل موسوعة المخيمات الفلسطينية، وموسوعة القرى الفلسطينية، مثالًا حيّا على المشاريع البحثية التوثيقية، التي تهدف إلى حفظ الذاكرة الفلسطينية، وتفنيد الرواية الصهيونية، وإثبات وجود شعبٍ له تاريخ عريق وجذور عميقة في أرضِ فلسطين؛ فالأولى يمكن أن نعدّها الشاهد على مآسي اللجوء، وسلب شعب كامل من حقه في العيش تحت سماء وطنه بأمان، كما أنّها الشاهد على تمسّك الفلسطيني بحق العودة، فالمخيم بالنسبة له الوجود الذي أُكره على العيش فيه، بعد أن خرج مضطرًّا خائفًا مسلوب الرأي والإرادة. وجُعل الموقع الإلكتروني للموسوعة مرتبًا ومنظمًا حسب المناطق الخمس للجوء الفلسطيني: الضفة الغربية، غزة، الأردن، سورية، لبنان، وفي كل منطقة رُتبت مخيماتها، وكُتب عن كل مخيم معلومات وافية تفيد البحث والباحثين، وتقول للعالم: إنّ هذه الخيام بُنيت من أجل إقامة مؤقتة لجيل من الشعب الفلسطيني طُرد من أرضه بالعنف والإرهاب، وحقه في العودة محفوظ لا يسقط بالقدم والتقادم.

    وعلى الطرف الآخر، تطالعنا موسوعة القرى الفلسطينية، الشاهد على النكبة، لتقدم أرشيفًا ضخمًا للقرى الفلسطينية الحالية والمهجرة وحتى المزالة، فالقرية التي أقام الاحتلال على أراضها، بعد تطهيرها عرقيا من سكانها، وأطلق عليها مسميات عبرية زائفة هي أقدم من الاحتلال، وثمة شهود وشواهد لا يمكن نكرانها على أنّها أرضٌ فلسطينية كنعانية. ولعلّ ما تفردت به موسوعة القرى الفلسطينية أنّها لم تنطلق في توثيق  القرى عند حدود النكبة إنّما وثقت  حتى القرى الفلسطينية التي دُمرت وأزيلت قبل النكبة، كل ذلك يتم عن طريق البحث العلمي المنظم الموثق، وقد اشتركت مع أختها موسوعة المخيمات الفلسطينية في حفظ الهوية الفلسطينية، وتوثيق الوجود الفلسطيني، ليتخذ موقعه في الكتابة التاريخية، وقد روتا بفعلهما عطش الفلسطيني لنسيم الهواء قي وطنه، واحتياجه لأن يقول لكل العالم أنا من هنا، وهو ما دلّ عليه تفاعل المتابعين بالرسائل، وتزويد الموسوعة بالوثائق والخرائط والمعلومات الناقصة، لا سيما أسماء العائلات.

    وأول ما يطالعك في موسوعة القرى الفلسطينية خارطة فلسطين التاريخية، والمدن الفلسطينية على الخريطة، وتحت كل مدينة القرى التي تتبعها، سواء كانت حالية أو مهجرة أو مزالة قبل النكبة أو بعدها. ولكل قرية معلومات وافية تاريخية وجغرافية وطوبوغرافية واقتصادية وأسماء العائلات والمعارك التي دارت على أرضها واحتلالها وغير ذلك من المعلومات التوثيقية.

    وقد انطلق المشروعان تحت رعاية أكاديمية دراسات اللاجئين، التي وفّرت له متمثلة بفريق إدارة الأكاديمية، ومجموعة من الباحثين المتطوعين من الإداريين والدارسين في الأكاديمية مقوّمات نجاحهما، والعمل على استمرار عملهما، وأعلنت عن انطلاق المشروعين من خلال حفل تدشين رسمي لكل مشروع بتاريخ محدد، فالأول: موسوعة القرى الفلسطينية دُشّن حفل إطلاقه في لبنان بتاريخ 10 آب/ أوغسطس 2022. أمّا موسوعة المخيمات الفلسطينية فكان حفل تدشينه في قطر بتاريخ 18 شباط/ فبراير 2025. إنّ هذين المشروعين، يمثلان نموذجًا حيًّا للأرشيف الفلسطيني، إذ إنّ “كل قصة تروى عن النكبة هي وثيقة حية، كل حكاية من حكايات اللاجئين هي جزء من أرشيفنا الممتد، الذي لا يمكن لأحد أن يمحوه”، ولا يمكن فهم الهوية الفلسطينية دون الرجوع إلى الأرشيف الفلسطيني، ولا يمكن أن نفهم ما تعرضت له فلسطين من تطهير عرقي إلا بالرجوع إلى الأرشيف أيضا، وكما ذكرت نور مصالحة: ” الأرشيف هنا يصبح أداة للعدالة الانتقالية، حيث يمكن استخدامه في المحافل الدولية. هذا العمل الأرشيفي يهدف إلى تحدي الرواية الإسرائيلية وتقديم رواية مضادة مدعمة بالوثائق”. وفي هذا الصدد أيضًا، تُعدّ أكاديمية دراسات اللاجئين، في ظل جهودها الجبارة في خدمة القضية الفلسطينية، المدافع الحقيقي عن الحق الفلسطيني، والحارس للأرشيف والذاكرة الفلسطينية من المحو والنسيان، والمتصدي للرواية الصهيونية على أرضنا وتاريخنا.

    بقلم : فادية الكركي

    أكاديمية دراسات اللاجئين

    Latest articles

    spot_imgspot_img

    Related articles

    spot_imgspot_img