أثارت المساعي لإصلاح النظام المصرفي في لبنان، والتي تحظى بدعم صندوق النقد الدولي، موجة مقاومة شديدة من الأطراف المتضررة، في مشهد يعكس عمق الانقسامات حول سبل التعافي من الانهيار المالي الذي شهدته البلاد عام 2019.
ووصفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية هذه المعارضة بأنها اتخذت شكل “حملة إعلامية وقضائية ممنهجة”، استهدفت صانعي السياسات الإصلاحية ومنظمات المجتمع المدني، بما في ذلك المنظمات غير الربحية التي دعمت خارطة الطريق التي وضعها صندوق النقد.
ووفقًا للصحيفة، وجّهت قنوات تلفزيونية لبنانية اتهامات لمنظمات غير حكومية وصحافيين مستقلين، زاعمة أنهم جزء من “مؤامرة ممولة من الملياردير الأميركي جورج سوروس” لإلحاق الضرر بالاقتصاد اللبناني.
وسائل الإعلام المستقلة في مرمى التشهير
تعرضت مؤسسات إعلامية مثل “ميغافون” و”درج” إلى شكاوى قانونية عديدة، وهو ما وصفته “هيومن رايتس ووتش” بأنه “تسليح لقوانين التشهير الجنائي” ضد الأصوات المعارضة للمنظومة الاقتصادية القائمة.
وتعليقًا على ذلك، قالت ديالا شحادة، محامية “ميغافون”، إن هذه الحملات تحمل طابعًا سياسيًا، وتهدف إلى “الدفاع عن مصالح الطبقة المصرفية المتنفذة”.
الإصلاحات قيد التنفيذ… والمواجهة تحتدم
في الوقت الذي تتصاعد فيه الحملة الإعلامية، أقرّ البرلمان اللبناني تعديلًا على قانون السرية المصرفية يسمح بزيادة الشفافية، وهو ما رحب به رئيس الوزراء نواف سلام، واصفًا إياه بـ”الخطوة الأساسية نحو محاسبة المذنبين”.
إلا أن وسائل إعلام بارزة انتقدت التعديل بشدة، ووصفت القانون بأنه “خيانة للمودعين”، في حين عارضت بندًا يسمح بكشف السجلات المصرفية التي تعود إلى عقد من الزمن.
ورغم ذلك، لا تزال الإصلاحات الأكثر جدلاً، ولا سيما مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوزيع خسائر أزمة 2019، قيد النقاش في مجلس النواب، حيث تواجه مقاومة من أطراف مصرفية وسياسية.
حرب السرديات على الشاشات اللبنانية
قال أيمن مهنا، المدير التنفيذي لمؤسسة سمير قصير، إن “الجهات الفاعلة في القطاع المصرفي، التي لديها الكثير لتخسره وتخفيه، تستثمر بكثافة في دعم خطاب مضاد للإصلاح في الإعلام”.
وأشار إلى أن هذه الحملة “لم تنجح بعد في تعطيل المسار الإصلاحي، لكنها مرشحة للتصاعد”.
ووفقًا لمبادرة السياسة، وهي مؤسسة فكرية في بيروت، فإن البنوك كانت من أبرز المعلنين في القنوات التلفزيونية، مما يعزز من نفوذها داخل المشهد الإعلامي اللبناني، ويصعّب مهمة تمرير الإصلاحات دون معركة خطابية قاسية.
في هذا السياق، وصفت قناة MTV اللبنانية مجموعة “كلنا إرادة” الداعمة للإصلاح، إلى جانب منصات “ميغافون” و”درج”، بأنهم “أذرع لأخطبوط سياسي واقتصادي يتربص بلبنان”، وهو اتهام رفضته هذه الجهات جملة وتفصيلًا.
الإصلاح أم النفوذ؟
ومع بدء لجنة المال والموازنة مناقشة مسودة قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، تبقى مسألة توزيع الخسائر وسداد أموال المودعين عالقة. وفيما تسعى الحكومة الجديدة برئاسة نواف سلام إلى تنفيذ أجندة إصلاحية طموحة، لا يبدو أن طريقها سيكون خاليًا من العراقيل، خاصة في ظل استمرار “الحرب الإعلامية” على هذا المسار