تشكل الانتخابات البلدية والاختيارية محطة مفصلية في الحياة السياسية المحلية في لبنان. وعلى الرغم من أنها غالبًا ما تُعتبر ثانوية مقارنةً بالانتخابات النيابية، إلا أن لها تأثيرًا مباشرًا وملموسًا على الحياة اليومية للمواطنين. فتجديد هذه المؤسسات المحلية يُولّد آثارًا اجتماعية واقتصادية عميقة، لا سيما في بلد يواجه أزمة متعددة الأبعاد منذ سنوات.
تعزيز المشاركة المدنية والانتماء المجتمعي
على الصعيد الاجتماعي، تؤدي الانتخابات المحلية دورًا أساسيًا في تعزيز المشاركة المدنية، إذ تتيح للمواطنين اختيار من يمثلهم على مستوى الأحياء والقرى والمدن. هذه العلاقة المباشرة بين المنتخبين والسكان تعزز شعور الانتماء المجتمعي، الذي غالبًا ما يكون أقوى من الولاء للمؤسسات المركزية، خصوصًا في مجتمع يعاني من انعدام الثقة بالدولة. وتساهم هذه الدينامية في إعادة بناء الروابط الاجتماعية، وتعزيز التماسك داخل المجتمعات المحلية.
تجديد النخب وبث روح التغيير
تمثل هذه الانتخابات فرصة لتجديد النخب السياسية على المستوى المحلي. فهي تفتح الباب أمام وجوه شابة ومرشحين مستقلين أو من المجتمع المدني، بعيدًا عن السطوة التقليدية للأحزاب الطائفية. ويُعدّ هذا التنوع مدخلًا نحو مناخ اجتماعي أكثر انفتاحًا، يقوم على الكفاءة والنزاهة والخدمة العامة، بدلًا من الزبائنية السياسية.
دور البلديات في التنمية المحلية
أما من الناحية الاقتصادية، فتضطلع البلديات بدور متزايد في إدارة الشؤون المحلية. بلدية نشيطة قادرة على إطلاق مشاريع إنمائية في مجالات كالنفايات والبنية التحتية والخدمات العامة، ما يخلق فرص عمل جديدة، ويجذب استثمارات محلية وخارجية، ويساهم في تحسين جودة الحياة. وقد أثبتت بعض البلديات اللبنانية قدرتها على تنفيذ حلول بديلة، كإنشاء أنظمة لامركزية للكهرباء أو المياه، في ظل تقاعس الدولة.
المختار: الرابط الحيوي بين المواطن والدولة
رغم أن دوره كثيرًا ما يُغفل في النقاش العام، إلا أن المختار يشكل عنصرًا أساسيًا في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، من خلال إصدار الوثائق الرسمية اللازمة للحصول على العمل أو السكن أو الخدمات. وفي المناطق الريفية تحديدًا، يشكل المختار صلة الوصل الوحيدة بين السكان والإدارة المركزية، ما يجعل من كفاءته أو عدمها عاملًا مؤثرًا على النشاط الاقتصادي المحلي.
الرقابة الشعبية والشفافية
تُتيح الانتخابات الاختيارية للمواطنين فرض رقابة شعبية على هذه الشخصيات الإدارية، ومحاسبة من لا يلبّي احتياجاتهم. هذا المسار الديمقراطي يعزز مبادئ الشفافية والمسؤولية، ويدفع نحو تحديث الممارسات الإدارية في المؤسسات المحلية.
رافعة محتملة للاقتصاد الوطني
على نطاق أوسع، يمكن للسلطات المحلية أن تكون فاعلًا أساسيًا في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، لا سيما في ظل عجز الدولة المركزية. فالبلديات والمخاتير قادرون على نسج شراكات مع المنظمات الدولية والمحلية، والحصول على تمويلات، وتقديم حلول مباشرة وفعالة للمواطنين.
خاتمة
إن الانتخابات البلدية والاختيارية في لبنان لا تقتصر على بعدها الإداري، بل تمس جوهر الديمقراطية المحلية، والعدالة الاجتماعية، والتنمية المستدامة. من هنا، فإن دعم هذه المؤسسات، وتشجيع المواطنين على المشاركة الفاعلة فيها، يشكلان ركيزة استراتيجية للنهوض بالبلد من أزماته المتراكمة.