More

    انتخابات طرابلس البلدية… أزمة فرز أم فضيحة نظام الامتيازات؟

    في طرابلس، المدينة التي يضجّ تاريخها بالأوجاع والفرص المهدورة، لم تعد الانتخابات مجرّد تمرين ديمقراطي عابر. ما شهده لبنان في انتخابات 11 أيار/مايو 2025 البلدية، وتحديدًا في طرابلس، يتجاوز الإطارين التقني والتنظيمي، ليكشف عمق أزمة النظام اللبناني المتآكل، القائم على الامتيازات الطائفية والسياسية.

    ففي حين تنجز دول كثيرة عمليات فرز معقدة خلال ساعات، تمرّ الأيام في طرابلس ولا تزال النتائج الرسمية غائبة. مشهد الانتظار الطويل لا يعبّر فقط عن خلل إداري، بل يعكس أزمة بنيوية في بنية السلطة: غياب الإرادة السياسية لبناء مؤسسات شرعية وفاعلة، واستمرار التعامل مع الانتخابات كأداة لإعادة توزيع النفوذ، لا كفرصة لتجديد الشرعية الشعبية.

    في أي نظام ديمقراطي طبيعي، يُفترض أن يكون المحافظ موظفًا حياديًا ينفّذ القانون. أما في طرابلس، فقد أصبح موقع المحافظ رمزًا لتسييس الإدارة، وتحويلها إلى أداة لضبط التوازنات السياسية بعيدًا عن الإرادة الشعبية. أصوات الناخبين تتحوّل إلى مجرّد أرقام تُستخدم في معادلات نفوذ، والمجلس البلدي المنتخب يُفرغ من مضمونه تحت سطوة إدارة معيّنة لا تخضع للمحاسبة.

    يتّهم المواطنون الطرابلسيون علنًا المحافظ بالانحياز والتواطؤ مع قوى سياسية لا تمثلهم، بل تتغذّى على فقر المدينة وتهميشها. وفي ظل نسبة اقتراع لم تتجاوز 27%، تعلن طرابلس مجددًا أن الديمقراطية الشكلية لا تقنع شعبًا خذلته الدولة. هذا العزوف لا يُقرأ كانسحاب من السياسة، بل كتمرد على نظام لا يعبّر عنهم، ولا يمنحهم أي أمل بالتغيير.

    حين يشعر المواطن أن صوته لا يُغيّر شيئًا، وأن المحافظ هو الحاكم الفعلي، فإن الامتناع عن التصويت يتحوّل إلى موقف سياسي بامتياز.

    من طرابلس إلى بيروت… العدوى الديمقراطية المفرغة؟

    ما جرى في طرابلس ليس حادثًا معزولًا. فالعاصمة بيروت تقف على حافة مشهد مشابه. مع تصاعد الصراع على بلدية بيروت، تتفاقم الانقسامات، وتتعمّق مظاهر الشلل المؤسسي. تعاني البلدية من غياب أي رؤية لإعادة بناء مؤسساتها بما يليق بطموحات سكانها، في ظل دعوات منظمة لفرض مناصفة طائفية في مجلس بلدي مشلول.

    ليس ذلك فقط، بل يستمر تقويض صلاحيات رئيس البلدية لصالح المحافظ المُعيَّن، في انتكاسة صارخة لمبدأ الانتخاب والمساءلة. مع غياب أي استعداد تقني أو تنظيمي جاد، تبدو العاصمة مهددة بتكرار سيناريو طرابلس: تأخير، تشكيك، وربما انفجار.

    فأين الدولة؟ وأين المعالجة؟

    هل ما نشهده مجرّد ارتباك إداري؟ أم أنه الترجمة الميدانية لاستعصاء نظام الامتيازات على الإصلاح؟ ما جدوى الانتخابات إذا كانت الإدارات السياسية والأمنية تتصرّف كأنها فوق الرقابة والمساءلة؟ وهل ستمرّ بيروت بتجربة طرابلس؟ أم أننا أمام نموذج يتكرّر كل مرة تحت مسميات جديدة، لكنه يفضح الأزمة نفسها؟

    الانتخابات ليست مناسبة لملء مقاعد، بل هي ميزان الشرعية. وإذا اختل هذا الميزان بفعل التسييس والتأخير والتلاعب، فإن الانفجار الشعبي لن يتأخّر كثيرًا.

    طرابلس قالت كلمتها. فهل من يسمعها في بيروت؟

    وهل من يصغي أصلًا في دولة باتت تحتكم إلى صناديق مغلقة، لا إلى صوت ومصلحة الشعب؟

    Latest articles

    spot_imgspot_img

    Related articles

    spot_imgspot_img