تشكل الانتخابات البلدية المرتقبة في البقاع والجنوب فرصة استراتيجية لـ”حزب الله” لتوجيه رسائل مزدوجة، داخليًا إلى بيئته وجمهوره، وخارجيًا إلى خصومه الإقليميين والدوليين، مفادها أنه ما زال متمسكًا بنفوذه ومكانته رغم التحولات الأخيرة على الساحة اللبنانية والدولية.
من “وحدة الساحات” إلى قبول التفاهمات
غادر الحزب مبدأ “وحدة الساحات” حين تراجع عن ربط وقف إطلاق النار في لبنان بوقف الحرب في غزة، وهي حرب لا تزال مستمرة منذ السابع من تشرين الأول 2023، عقب عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها حركة “حماس”. هذا التراجع ترافق مع قبول الحزب بتفاهمات تضمنت تنفيذ القرارات الدولية المتعلقة بلبنان، وأبرزها القرار 1701.
ورغم ذلك، لا يزال الحزب يحاول التمايز في خطابه حول نزع السلاح بين جنوب الليطاني وشماله، في تكرار لتجربة ما بعد عام 2006 حين انسحب مؤقتًا من الجنوب، قبل أن يعيد تموضعه لاحقًا. ويهدف من هذا الخطاب إلى التأكيد على أن تسليمه للسلاح في منطقة معينة لا يعني نهاية دوره أو تسليمه الكلي لمنطق الدولة.
رسائل دولية وتحذيرات من المجتمع الدولي
شهد الأسبوع الماضي رسائل واضحة للبنان من عدة أطراف دولية وإقليمية، عبّرت عن دعمها لاستعادة الدولة سيادتها وحصر السلاح بيدها. من أبرز هذه الرسائل ما جاء على لسان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في القمة العربية في بغداد، والذي شدد على “أن السبيل الأوحد لاستقرار لبنان هو تنفيذ القرار 1701”. كما أشار وزير الدولة السعودي عادل الجبير إلى “دعم جهود لبنان لحصر السلاح بيد الدولة”، وهو الموقف نفسه الذي تبنته الأردن والعراق والأمم المتحدة.
وبحسب مصادر دبلوماسية، فإن المجتمع الدولي يتوقع من لبنان خطوات ملموسة نحو بسط سلطة الدولة، ويربط بشكل مباشر بين هذه الخطوات وإمكانية مساعدته اقتصاديًا.
الحزب في موقف حرج… ومخاوف من إعادة استهداف “اليونيفيل”
ترى المصادر نفسها أن الحزب يواجه إحراجًا متزايدًا نتيجة التباين بين الموقف الإيراني المعلن عن الانفتاح على الغرب من جهة، وتمسكه هو بخطاب المقاومة من جهة أخرى، ما يعطل فرصًا مطروحة على لبنان، كالعروض الأميركية التي تحدّثت عنها المسؤولة السابقة مورغان أورتاغوس بشأن شراكة اقتصادية مشروطة بسيطرة الدولة على السلاح.
في الوقت نفسه، تزايدت المخاوف من تجدد الاعتداءات على قوات “اليونيفيل” في الجنوب، في ما يشبه إعادة تذكير بالقيود السابقة التي فرضها الحزب على عمل هذه القوات، وخصوصًا في مناطق نفوذه. هذا التوتر يعيد التذكير بمنطق “البيئة الحاضنة” للسلاح، الذي يبدو الحزب متمسكًا به كورقة ضغط ورسالة للداخل والخارج.
الانتخابات: تثبيت النفوذ وتعزيز المشروعية
تُعدّ الانتخابات البلدية في مناطق نفوذ الحزب، لاسيما في الجنوب والبقاع، مناسبةً لتأكيد حضوره الشعبي وقدرته على تحشيد بيئته. ووفق مصادر سياسية، فإن الحزب يعوّل على هذه الانتخابات لتعويض الخسائر المعنوية الناتجة عن الضغوط الدولية، وإثبات أنه لا يزال قادرًا على فرض حضوره، بل وتعزيز تحالفاته، حتى مع خصومه السياسيين الذين قد يجدون أنفسهم مضطرين للتحالف معه لأسباب “موضوعية”.
ويشكل ذلك، بحسب المتابعين، ورقة قوة إضافية للحزب، تسمح له بالمضي في استراتيجيات جديدة أو التكيّف مع تحولات المرحلة المقبلة، وسط تراجع في صدقية الخطاب الإيراني الرسمي الذي لا يعكس، وفق ما يُقال، فحوى التفاهمات الجارية خلف الأبواب المغلقة مع الولايات المتحدة والخليج.
في ظل استمرار الحرب على غزة وتعثر مساعي وقف إطلاق النار، يجد “حزب الله” في الانتخابات البلدية فرصة لإعادة تثبيت مشروعيته، واستباق أي محاولة لإقصائه من المشهد السياسي اللبناني. وهي انتخابات تحمل دلالات تتجاوز الطابع الخدمي المحلي، إلى صراع أوسع على النفوذ، وموقع الحزب في مستقبل لبنان السياسي.