يوماً بعد يوم، تتضح نوايا دونالد ترامب بشأن “الشرق الأوسط الجديد” الذي لطالما تحدثت عنه الروايات السياسية، مبرِّرة ذلك بالتطورات المتسارعة في الإقليم. وكما شكّلت عملية طوفان الأقصى حدثًا استثنائيًا في تاريخ الصراع، يبدو أن عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض لن تكون حدثًا عاديًا بأي حال.
خطة ترامب تجاه غزة
من المهم التذكير بمواقف ترامب من الحرب الأخيرة على غزة، حيث استغل تردد إدارة بايدن في كبح جماح نتنياهو، الذي وسّع رقعة الحرب شمالاً مع لبنان، وشن غارات على جنوب سوريا. ترامب وظّف هذا التردد لصالح حملته، مُتقمّصًا دور صانع السلام بعد توقف إطلاق النار، ليتحوّل لاحقًا إلى أحد أبرز الداعمين للإبادة الجماعية في غزة.
فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة، التي طرحها ترامب بصيغة “شراء غزة”، لم تكن سوى مرحلة ثانية من مشروع أوسع. خيار التهجير، أو تسليم المقاومة لأسلحتها وخروج حماس، يشكّل أحد أركان المخطط الأميركي الذي يتراوح بين الحدّ الأقصى (شراء غزة)، والحد الأدنى (تفكيك المقاومة).
الحرب على لبنان
رغم أن الحرب بين حزب الله والكيان الصهيوني توقفت بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار قبل عودة ترامب إلى الحكم، إلا أن هذه الحرب كانت فارقة، لا سيما مع استشهاد قيادات بارزة، يُرجّح من بينها السيد حسن نصر الله، وتزامنها مع عودة الاستقرار السياسي في لبنان بانتخاب رئيسٍ عسكري سابق، مما أوجد توترًا جديدًا بين حزب الله والدولة اللبنانية حول مستقبل العلاقة مع العدو.
الملف النووي الإيراني
تستمر الإدارة الأميركية في استخدام مصطلح “المشروع الإيراني” لتخويف شعوب المنطقة، خاصة تلك التي ترى في إيران رمزًا للمقاومة ضد العدو المشترك. رغم أن واشنطن تعتبر إيران تهديدًا وجوديًا، فإنها لم تُغلق باب التفاوض، وتعود اليوم إلى طاولة المحادثات حول الاتفاق النووي، بعد قرابة عقد من اتفاق 2015 الذي هدّأ التوترات دون أن يُنهيها.
تسليم سلاح المقاومة في غزة
كان هذا الهدف في صميم العملية العسكرية التي أطلقها نتنياهو، بتأييد من وزيري الأمن القومي والمالية في حكومته، والذين دفعوا بهذا الخيار رغم صمود المقاومة. واليوم، يضع ترامب شرط تسليم سلاح المقاومة كمدخل لأي عملية سياسية أو نقاش حول وقف إطلاق النار، بل يعتبر استمرار وجود حماس في غزة مبررًا لاستمرار الحرب.
ورغم تحييد أطراف المقاومة الأخرى (لبنان، سوريا، العراق)، فإن اليمن لا يزال صامدًا، ما يدفع الولايات المتحدة إلى الاستمرار في استهدافه.
قصف اليمن
لن تقبل الولايات المتحدة بأي تهديد لحريتها التجارية في أحد أهم الممرات المائية، وخاصة عندما يأتي التهديد من جماعة مسلّحة ترتبط بإيران وتُشكّل تحديًا للأسطول الأميركي. القصف الأميركي لليمن هو فصل متقدّم من صراعها العلني مع إيران، حيث تلعب الجغرافيا دورًا حاسمًا: فاليمن يخنق حركة واشنطن، وترامب يسعى بالمقابل إلى خنق واحدة من أقوى حركات المقاومة في العالم.
أداء الحوثيين في بعض الجولات يُقارن بأداء اليابانيين في الحرب العالمية الثانية، الذين لم يُهزموا إلا بالقنبلة النووية. واليوم، يُظهر ترامب أنه يدير صراعًا طويل الأمد يقوم على إشعال جبهات وإخماد أخرى، بهدف خنق الشرق الأوسط وتحجيم الصراع في مناطق محدّدة، لتقليل خطر اندلاع حرب شاملة.
يعلم ترامب أكثر من أي وقت مضى أن السيطرة على بعض الأطراف باتت شبه مستحيلة. لذا، فهو يراهن على إبقاء الصراع قائمًا أو معلقًا إلى أجلٍ غير مسمّى، بانتظار إشعال جولة جديدة من الحرب العربية – الصهيونية، والتي لم تعد مجرّد صراع عقائدي أو نووي، بل معركة موازين قوى يصعب توقّع نتائجها