More

    بلديات لبنان: لا أمل

    عملياً انتهت الانتخابات البلدية في لبنان مع إسدال الستارة على مرحلتها الثالثة في بيروت والبقاع، انتخابات الجنوب غداً تبدو شكلية لولا معركتي صيدا وجزين، باعتبار ان البلديات “الشيعية” تولى قطبا الثنائي “أمل” و”حزب الله” ترتيب لوائحها التي فازت بالتزكية أو ستفوز في الصناديق لتعذر التوافق مع قوى وشخصيات رفضت الإنضواء تحت عباءة الثنائي.

    شدد كبار المسؤولين والسياسيون والإعلام والمرشحون قبل الإنتخابات على الدور الإنمائي للبلديات، وهو في المبدأ كلام لا غبار عليه، إلا أنه واقعياً ليس متاحاً، خصوصا في بلديات القرى والبلدات التي لا موارد ذاتية لها ولا حتى موارد رسمية في ظل العجز المتواصل في الموازنات. وهناك بلديات لم تقدم أي خدمة منذ سنوات ولم تستطع حتى تأمين رواتب موظفيها وحراسها فصرفت بعضهم، فضلاً عن مشاكل أخرى متعددة تتعلق بالفساد والهدر وسوء الإدارة.

    روج الجميع للانتخابات البلدية باعتبارها الرافعة التي ستنتشل البلد من أزمته، وسيكتشف الناس بعد حين أن الوعود أقل بكثير من الممكن وأن ما بعد الانتخابات لن يتغير كثيراً عما قبلها، فالمشكلة مازالت هي هي. لا مال ولا تغيير في العقلية، حتى لو تغير الأشخاص.

    عكست الانتخابات الواقع السياسي والاجتماعي في البلد، وشكلت مناسبة للأحزاب السياسية لتختبر شعبيتها وقدرتها على التجييش والتنظيم وترميم الثغرات قبل الانتخابات التشريعية بعد عام والتي على أساسها ستتشكل السلطة المقبلة. العين الآن على الاستثمار الأمثل لنتائج الانتخابات في تحديد الاحجام في انتخابات النواب. 

    أعادت الانتخابات البلدية الوصاية الكاملة للأحزاب والقوى التقليدية على البلد، ربما مع بعض الاستثناءات، نعم هناك تغيير ، لكنه تغيير من ضمن البيت نفسه. خيبت الانتخابات الكثير من الآمال التي كانت معقودة على المجتمع المدني وقواه. أجهضت القوى العتيقة المتجذرة كل الآمال متكئة على فشل المشروع التغييري الذي جاء إلى البرلمان بنواب سموا تغييرين اتضح لاحقاً انهم أصبحوا جزءاً من التقليد السياسي اللبناني بكل تناقضاته، ولم يتفقوا على موقف واحد خلال ثلاث سنوات. والأرجح أن تجربتهم شارفت على نهايتها. 

    فرض الثنائي الشيعي منطقه على كل البلديات في مناطق نفوذه، فركّب توافقات وتزكيات، تقاسم الحزب والحركة معظم المجالس تاركين مقاعد قليلة لإرضاء قوميين وشيوعيين ومستقلين، وأقفلوا الصناديق قبل أن تفتح. بروفة ناجحة للعام المقبل. الشيعة مشغولون الآن بأمور أكثر أهمية من الانتخابات البلدية، هناك مصائر تحدد على خرائط المنطقة والطائفة مستهدفة وليس الوقت لنبش الخلافات العائلية والحزبية في الجنوب والبقاع وغيرهما. والواقع أن كثراً رأوا في ذلك سلوكاً يجب أن يحتذى به بعد التشنجات والممارسات غير المنضبطة التي شهدتها بعض القرى. 

    في الجهة المسيحية لا يمكن إنكار تقدم “القوات اللبنانية” في معظم المدن والبلدات الكبيرة، وحتى في بيروت، مع بعض الاستثناءات في زغرتا وبعض بلدات المتن وبعبدا. نجحت “القوات” في شحن ماكينتها الانتخابية وإثبات شعبيتها المتنامية على حساب القوى المسيحية الأخرى، وبشكل خاص على حساب “التيار الوطني الحر ” الآخذة شعبيته بالانحدار منذ نهاية ولاية مؤسسه الرئيس ميشال عون في رئاسة الجمهورية ولأسباب داخلية ولفقدان الحلفاء الأقوياء بعد فك تحالفه مع “حزب الله”.

    في الجبهة السنية كان الضياع سمة الانتخابات، وهي الطائفة الوحيدة التي خاضت الانتخابات من دون مظلة سياسية. كان أهل المدن الكبرى، بيروت وطرابلس وصيدا، وكذلك أهل البلدات الكبيرة، يعتقدون أن “تيار المستقبل” سيقود لوائحهم وتحالفاتهم، لكن التيار خذلهم وكلام رئيسه سعد الحريري في مهرجان 14 شباط/فبراير كان مجرد فقاعة. غياب التيار عن القيادة والمنافسة في بيروت أفسح المجال للثنائي الشيعي وخصوم الحريرية لقيادة المعركة والتحكم بنتيجتها، وهذا ما سينعكس بالتأكيد على انتخابات السنة المقبلة التي يبدو أن قرار الحريري سيظل ينتظر “كل شي بوقته حلو”.


    من جملة ما أفرزته الانتخابات، لا سيما في القرى، أن صراع العائلات هو صراع مدمّر ولا يساعد أبداً في إيصال مجالس بلدية على سوية وقدرة إنمائية، إذ يقدم هذا الصراع العصبيات المحلية على المنافسة وتقديم أفضل الكادرات الكفوءة، فضلاً عن إثارته الخلافات والتوترات التي أدت في بعض المناطق إلى اشتباكات مسلحة وسقوط ضحايا. وهنا لا بد من التفكير منذ الآن بقانون انتخابي جديد يضمن تمثيل كل المكونات على أساس النسبية وبما يضمن مستوى تعليمياً مقبولاً للمرشحين لعضوية المجالس ورئاستها. 


    انتهت الانتخابات قبل نهايتها رسمياً وضاع معها أي أمل بتغيير كبير، إذ أعادت سطوة القوى المهيمنة على البلد وستكرسها مجدداً في الانتخابات التشريعية المقبلة. التغيير يحتاج إلى تغييريين حقيقيين يحملون فكراً لا مجرد شعارات.


     

    Latest articles

    spot_imgspot_img

    Related articles

    spot_imgspot_img