تعود العلاقات الدبلوماسية بين لبنان والعراق إلى عام 1943، وقد تميّزت على مدى العقود الماضية بالاستقرار والتعاون في مختلف المجالات، رغم ما مرّت به المنطقة من أزمات وتحولات سياسية كبرى. وتأتي زيارة رئيس الجمهورية اللبنانية جوزف عون إلى بغداد اليوم، تأكيدًا لعمق هذه العلاقات وحرص الجانبين على تعزيز التعاون المشترك.
دعم مستمر رغم الأزمات
في السنوات الأخيرة، أثبت العراق أنه شريك استراتيجي للبنان، لا سيما بعد الأزمة المالية الحادّة التي ضربت البلاد. فقد لعبت بغداد دورًا محوريًا في الحدّ من أزمة الكهرباء في لبنان، من خلال اتفاق لتوريد مليون ونصف مليون طن من الفيول لتشغيل معامل الكهرباء. وفي المقابل، حصل العراق على خدمات طبية واستشفائية لمواطنيه في لبنان، في اتفاق لا يزال يُمدَّد سنويًا.
علاقات مستقرة رغم الاضطرابات
رغم الاضطرابات التي عصفت بالعالم العربي عقب الحرب العالمية الثانية وتباين التحالفات خلال الحرب الباردة، استطاع البلدان الحفاظ على مستوى من الاستقرار في علاقاتهما، لا سيما منذ تسعينيات القرن الماضي. وبعد الغزو العراقي للكويت عام 1990، تراجع مستوى التعاون بين بيروت وبغداد، لكنه سرعان ما عاد إلى مساره الطبيعي بعد الغزو الأميركي للعراق وبدء مرحلة سياسية جديدة.
الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان من أبرز الشخصيات اللبنانية التي سعت إلى تعزيز العلاقات مع العراق، خصوصًا خلال رئاسة إياد علاوي للحكومة العراقية. ومنذ ذلك الحين، توالت الزيارات الرسمية بين الجانبين، من بينها زيارات رؤساء الجمهورية ميشال سليمان وميشال عون، ورؤساء الحكومات فؤاد السنيورة، نجيب ميقاتي، وسعد الحريري. كما شكّلت زيارة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى بغداد عام 2019 محطة بارزة في مسار العلاقات.
المرجعية الشيعية والدعم الإنساني
يلعب العامل الديني أيضًا دورًا في توطيد العلاقات، إذ ترتبط بيروت وبغداد بعلاقات روحية متينة، من خلال المرجعية الدينية في النجف الأشرف وعلى رأسها المرجع السيد علي السيستاني.
وخلال العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، فتحت العراق أبوابها لعشرات آلاف اللبنانيين، مقدمةً لهم كل التسهيلات اللازمة للإقامة، بالتوازي مع إرسال مساعدات إنسانية إلى بيروت، ما عكس موقفًا تضامنيًا ثابتًا.
العراق شريك في إعادة الإعمار
في القمة العربية الأخيرة التي عُقدت في بغداد، أعلن العراق تقديم مساعدات مالية بقيمة 20 مليون دولار لدعم إعادة إعمار لبنان، في خطوة جديدة تؤكد استمرار دعمه للبنان في ظل التحديات التي يواجهها، بينما لا تزال دول أخرى تماطل في تقديم المساعدات الموعودة.
تعاون اقتصادي يمتد لعقود
التعاون الاقتصادي بين لبنان والعراق ليس جديدًا، فقد كان لبنان في مقدمة الدول التي استقبلت النفط العراقي عبر أنابيب تمرّ من سوريا إلى مرفأ طرابلس في أربعينيات القرن الماضي، قبل أن يتوقف هذا المشروع بسبب الحرب اللبنانية. واليوم، تعود الموارد العراقية لتغذي معامل الكهرباء اللبنانية، في مشهد يعكس حجم الترابط بين البلدين.
وتُختَتم هذه المسيرة الطويلة بعبارة لا تزال تعبّر عن العلاقة الثقافية بين العواصم الثلاث: “بيروت تطبع، القاهرة تكتب، وبغداد تقرأ” – في إشارة إلى المكانة الفكرية والحضارية التي تربط بينها، ومنها العلاقات اللبنانية العراقية التي تزداد رسوخًا رغم تغيّر الأزمنة