كأنَّ أوروبا تسابق الزمن لتأمين نفسها في وجه التحديات المتسارعة. في خطوة غير مسبوقة، أعلنت كل من فرنسا وبريطانيا عن بدء تنسيق ردعهما النووي المستقل، في تحول قد يعيد رسم ملامح الأمن الأوروبي.
حلم ألماني يتحقق
في 21 شباط/فبراير الماضي، عبّر المستشار الألماني فريدريتش ميرتس عن رغبته في توسيع مظلة الأمن النووي الأوروبي لتشمل ألمانيا. حينها، بدت الفكرة طموحة إلى حد السذاجة. أما اليوم، ومع توقيع “إعلان نورثوورد” بين باريس ولندن، فقد بدأت ملامح هذا الحلم تتبلور.
رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، خلال لقائه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قال بوضوح:
“لقد وقعنا إعلان نورثوورد، مؤكدين للمرة الأولى أننا ننسق ردعنا النووي المستقل.”
وتابع:
“من اليوم، سيعلم أعداؤنا أن أي تهديد متطرف لهذه القارة من شأنه أن يطلق رداً من دولتينا.”
فرنسا وبريطانيا تتجاوزان عقدة التاريخ
هذا التنسيق النووي هو أيضًا خطوة نحو طيّ صفحة الخلافات التي غذّاها انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتاريخ طويل من العلاقات المتقلبة بين الدولتين. ماكرون نفسه قال:
“إنها رسالة على شركائنا وأعدائنا أن يسمعوها.”
وقد وصلت الرسالة بالفعل إلى دونالد ترامب وفلاديمير بوتين… وغيرهما.
القوة النووية الفرنسية… بين الطموح والاستقلال
فرنسا تطور ترسانتها النووية منذ سنوات لإثبات دورها كـ”قوة دولية”، لا مجرد عضو في الاتحاد الأوروبي. لطالما رفع ماكرون شعار “الاستقلالية الاستراتيجية”، وهي فكرة عابرة للأحزاب والتيارات في فرنسا.
منذ العام 1995، حين صرّح رئيس الوزراء ألان جوبيه بأن “فرنسا يمكن ويجب أن تؤكد دورها كقوة عالمية”، كان واضحًا أن المنصة الأولى لهذه القوة هي أوروبا.
لماذا هذا الإعلان مهم؟
المثير في إعلان ستارمر هو تشديده على وصف الردع النووي لدى الطرفين بأنه “مستقل”. صحيح أن التنسيق لا يعني دمج الترسانتين، لكنه يلمّح إلى رغبة بريطانية في تخفيف الارتهان الكامل للردع الأميركي.
- فرنسا تملك قدرة استخدام سلاحها النووي بحرًا وجوًا (عبر الغواصات والطائرات المقاتلة).
- بريطانيا تعتمد فقط على الغواصات النووية، وتستأجر غالبية صواريخها النووية من الولايات المتحدة.
من هنا، فإن التعاون مع فرنسا قد يمنح بريطانيا هامش استقلال أكبر في إدارة قوتها النووية، ما قد يعيد التوازن في العلاقة الأمنية عبر الأطلسي.
فرنسا وبريطانيا تفتحان صفحة جديدة في سجل الردع النووي الأوروبي. خطوة لا تعني فقط تقاربًا عسكريًا، بل أيضًا تحولًا استراتيجيًا في نظرة أوروبا إلى أمنها القومي بعيدًا عن الحماية الأميركية التقليدية.