في ظل التحوّل الرقمي المتسارع الذي يشهده قطاع التعليم، برزت تكنولوجيا التربية كأحد الركائز الأساسية في دعم التعلّم الذكي وتحقيق أهداف التعليم المستدام. إلا أنّ هذه المهنة في لبنان لا تزال تعاني من غياب تنظيم واضح، رغم الاهتمام المتزايد بها، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول سُبل تطوير إطار مهني يضمن الجودة والمصداقية.
في هذا السياق، أجرت النهار مقابلة مع الباحث التربوي والمختص في تكنولوجيا التعليم أيمن حاطوم، الذي شدّد على أهمية وضع تنظيم قانوني ومهني يحمي المهنة ويخدم المتعلمين.
“الواقع اليوم يفتقر إلى معايير واضحة، ما سمح بتوسّع غير مضبوط في الممارسة. ليس من الغريب أن نرى من يعرّف عن نفسه كخبير تربوي فقط لأنه يجيد استخدام بعض الأدوات الرقمية. هذا الأمر يفتح الباب أمام ورش تدريبية غير علمية، تروّج أحيانًا لمفاهيم خاطئة”، يقول حاطوم.
ويضيف أن المشكلة ليست في انتشار المهنة بحد ذاته، بل في غياب آلية قانونية تضبط شروط مزاولتها. ويرى أن الحل يكمن في إطلاق مسار وطني متكامل بالشراكة بين ثلاث جهات أساسية:
- وزارة العمل: الجهة المخوّلة تحديد المهن وتنظيم سوق العمل.
- الجامعة اللبنانية: المرجع الأكاديمي المسؤول عن تأهيل المتخصصين.
- نقابة تكنولوجيا التربية: التي يُفترض أن تؤدي دورًا محوريًا في حماية المهنة وتنظيمها.
يُطالب حاطوم بوضع معايير مزاولة واضحة تشمل المؤهلات الأكاديمية، والخبرة العملية، والاعتماد الرسمي لمسارات تدريبية موثوقة، إضافة إلى نظام ترخيص مهني يغطي كافة العاملين في المجال، من مدرّبين واستشاريين إلى مصمّمين تربويين.
ويؤكّد: “الهدف ليس الإقصاء، بل بناء قطاع تدريب عادل وعالي الجودة. من لا يملك فهمًا عميقًا لمبادئ التصميم التعليمي أو الذكاء الاصطناعي التربوي، لا يمكنه التأثير بشكل إيجابي في البيئة التعليمية”.
كما يلفت إلى أهمية رفع الوعي المجتمعي بمفهوم تكنولوجيا التربية، خصوصًا في ظل التباس سائد بين من يمتلك الكفاءة الحقيقية ومن يعتمد فقط على مهارات تسويقية. هذا الالتباس، بحسب حاطوم، ينعكس سلبًا على جودة التعليم ويضعف ثقة المتعلمين بالمحتوى الذي يتلقّونه.
ويختم بالتشديد على أن الاعتراف القانوني والمهني بالمهنة هو الأساس لتعزيز مصداقيتها، ولبناء جيل من المتخصصين القادرين على إحداث تغيير فعلي في المشهد التربوي، يتجاوز استعراض الأدوات نحو توظيف فعّال للتكنولوجيا في خدمة التعلّم.
ومع انطلاق لبنان في خطواته الأولى نحو التحول الرقمي في التعليم، ودمج الذكاء الاصطناعي في المناهج وتحديث أساليب التدريس، تبرز الحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تنظيم مهني راسخ يضمن جودة الأداء ويعزّز بيئة تعليمية متكاملة، تستند إلى معايير علمية وممارسات مدروسة.