More

    قوى التحوّل: الرسوم الجمركية، الذكاء الاصطناعي، وأزمة التصنيف تعيد رسم المشهد الاقتصادي

     

    في عالم سريع التغير، لم يعد ممكناً النظر إلى الأسواق من عدسة الماضي. فالتغيرات السياسية، والتطورات التقنية، والاضطرابات الائتمانية تخلق خليطاً متفجراً يُعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي. ثلاث قضايا تصدّرت المشهد مؤخراً: عودة الحروب التجارية بقيادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تدهور جودة ديون الشركات الأميركية، والاستثمار المكثف في حماية تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

    ترامب يُشعل فتيل الحروب التجارية مجدداً

    في خطوة أعادت للأذهان مرحلة الصدمات التجارية، أعلن الرئيس ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة 30% على جميع واردات الولايات المتحدة من المكسيك والاتحاد الأوروبي، بدءاً من 1 آب/أغسطس. القرار، الذي صدر برسائل رسمية ونُشر عبر منصة “تروث سوشيال”، حمَل تحذيراً واضحاً: إما الإنتاج داخل أميركا أو مواجهة العقوبات.

    يمثل الاتحاد الأوروبي والمكسيك معاً نحو ثلث واردات الولايات المتحدة، بقيمة تخطّت التريليون دولار عام 2022. وتوقّع المحلّلون أن تؤدي هذه الإجراءات إلى:

    • ارتفاع تكاليف الاستهلاك.
    • اضطراب سلاسل الإمداد.
    • ضغوط تضخمية قد تزيد العبء على السياسات النقدية.

    وقد تترجم الأسواق هذه التغيّرات إلى موجات تقلب حادة، خصوصاً في القطاعات المعتمدة على الاستيراد والإنتاج العالمي.

    أزمة التصنيفات الائتمانية: تحذير صامت من تحت السطح

    في الجانب الائتماني، أظهرت بيانات JPMorgan أن قيمة خفض تصنيفات ديون الشركات الأميركية الاستثمارية فاقت قيمة الترقيات للمرة الأولى منذ عام 2021. فقد تم تخفيض ما يقارب 94 مليار دولار من الديون في الربع الثاني فقط، بينما لم تتعدَّ الترقيات 78 مليار دولار.

    ورغم ذلك، لا تزال فروقات العائد (spreads) ضيقة عند 0.8 نقطة مئوية فقط، مقارنة بالمتوسط التاريخي البالغ 1.5، ما يُشير إلى أن الأسواق قد تُبالغ في التفاؤل، متجاهلة حجم المخاطر الحقيقي.

    الأخطر هو تنامي أدوات التمويل عالية المخاطر مثل “الدفع العيني” (PIK)، التي ارتفعت حصتها إلى 9% من إجمالي التمويل العالمي، مقارنة بـ4% عام 2020. ما يعكس ضغوطاً خفية على السيولة، لا سيّما في قطاعات مثل التجزئة، والسيارات، والتعدين، والبناء السكني.

    تقاطع الخطرين: التوترات التجارية ونفقات الدين

    يبدو أن الأسواق تسير في مسار مزدوج من المخاطر:

    • تراجع نوعي في الملاءة المالية للشركات، مع ازدياد احتمالات فقدان التصنيف الاستثماري.
    • تصاعد التوترات التجارية العالمية، التي تزرع الغموض في قرارات الإنتاج والاستثمار.

    وإذا ما استمرّ مسلسل خفض التصنيفات، فقد نشهد موجة خروج رؤوس الأموال من سوق السندات، وتنشيط آليات البيع الإجباري من الصناديق المؤسسية، مع ارتفاع عدد ما يُعرف بـ”الملائكة الساقطة” (Fallen Angels).

    استثمار شرس في الذكاء الاصطناعي: سباق البقاء

    في الوقت نفسه، تتسارع الشركات الكبرى نحو الاستثمار في تقنيات حماية الذكاء الاصطناعي، مع ازدياد المخاوف من القرصنة والهجمات الرقمية. هذه الاستثمارات، على ضخامتها، تُعيد تشكيل قواعد المنافسة الاقتصادية، وتفرض معايير جديدة للبقاء في سوق تقوده الخوارزميات.

    في الختام: الأسواق على أعتاب تحوّل جذري

    بين الحماية التجارية المتجددة، والتقلص التدريجي في البيئة الائتمانية، والثورة التكنولوجية المستمرة، تدخل الأسواق مرحلة إعادة تشكيل قسري. الشركات غير القادرة على التكيّف ستواجه خطر التراجع أو حتى الاختفاء.

    ربما لم نصل بعد إلى أزمة عالمية… لكن الاقتصاد العالمي، من دون شك، يقف على حافة تحول كبير.

    Latest articles

    spot_imgspot_img

    Related articles

    spot_imgspot_img