دفعت الحرب التي استمرت 12 يوماً بين إيران وإسرائيل، والتي باغتت الدفاعات الإيرانية في ساعاتها الأولى، إلى حالة استنفار في أعلى مستويات القيادة الإيرانية. الحرب التي أسفرت عن مقتل عدد من كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين، أعادت ترتيب الأولويات داخل طهران، ودفعت إلى اتخاذ قرارات جذرية لإعادة هيكلة المنظومة الأمنية والاستخباراتية.
في هذا السياق، عاد اسم علي لاريجاني، السياسي الإيراني المخضرم، ليتصدر المشهد مع تداول أنباء عن احتمال تعيينه أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي، خلفاً للواء علي أكبر أحمديان، أحد قادة الحرس الثوري الإيراني.
تبدّلات مفصلية في هرم الأمن القومي
رغم عدم صدور تأكيد رسمي حتى الآن، تشير المؤشرات إلى أن لاريجاني، الذي شغل المنصب ذاته سابقاً ومثّل المرشد الأعلى علي خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي، قد يعود بقوة إلى مركز صناعة القرار. ويأتي ذلك وسط توجهات واضحة نحو تعزيز الجاهزية الدفاعية، وتحسين التنسيق بين المؤسسات العسكرية والسياسية، بعد اختراقات اعتُبرت “مهينة” للبنية الاستخباراتية الإيرانية.
في هذا الإطار، حذّر قائد الجيش الإيراني، اللواء أمير حاتمي، من أن “احتمال هجوم إسرائيلي حتى لو بلغ 1%، يتطلب جهوزية بنسبة 100%”، في إشارة إلى تعليمات مباشرة من خامنئي بضرورة التحصين التام.
ضربة مؤلمة داخل مجلس الأمن القومي
إحدى أكثر المفاجآت التي خلّفت صدمة في أوساط القيادة الإيرانية تمثّلت في الهجوم الذي استهدف مقرّ اجتماع المجلس الأعلى للأمن القومي، حيث كان الأعضاء، وفق تصريحات الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، “على بُعد دقائق من الموت”. هذه الواقعة دفعت إلى المطالبة بإعادة هيكلة أمنية شاملة، سواء على المستوى الاستخباراتي أو العملياتي.
لماذا لاريجاني الآن؟
يُعرف علي لاريجاني بمواقفه المعتدلة وقدرته على التواصل مع الغرب، ويُرجح أن تعيينه في هذا المنصب يأتي كجزء من استراتيجية مزدوجة: تعزيز الأمن الداخلي وفتح قنوات ديبلوماسية أكثر مرونة، خصوصاً مع الولايات المتحدة.
ففي الفترة بين عامي 2005 و2006، أدار لاريجاني مفاوضات الملف النووي مع الاتحاد الأوروبي، وكان قريباً من التوصّل إلى اتفاق قبل أن يُقيله الرئيس المتشدد آنذاك محمود أحمدي نجاد، ويعيّن بدلاً منه سعيد جليلي. وتشير التحليلات اليوم إلى أن عودة لاريجاني قد تعني إزاحة جليلي من عضوية المجلس نفسه.
شبح الحرب… و”مجلس الدفاع” الجديد
وبالتوازي مع هذه التغييرات، أعلنت أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي عن تشكيل “مجلس الدفاع في الجمهورية الإسلامية” استناداً إلى المادة 176 من الدستور. هذه الهيئة العسكرية والأمنية العليا، التي تُعدّ الثانية بعد المجلس الأعلى، تتكوّن من رؤساء السلطات الثلاث، قادة الجيش، ووزراء معنيين، ويرأسها رئيس الجمهورية، على أن تخضع قراراتها لموافقة خامنئي.
ويهدف هذا المجلس إلى مراجعة الخطط الدفاعية وتعزيز القدرات القتالية بطريقة مركزية وسريعة، ويُنظر إليه على أنه نواة النظام الدفاعي الجديد لإيران، في ظل تحوّلات إقليمية تنذر بالمزيد من التصعيد.
المرحلة المقبلة: تغييرات متوقعة على نطاق واسع
تشير التقديرات إلى أن تعديلات جذرية في بنية الأجهزة الأمنية والعسكرية ستشهدها إيران خلال الشهرين المقبلين، في محاولة لامتصاص تداعيات الحرب الأخيرة، وتعزيز ثقة الداخل الإيراني في قدرة الدولة على حماية سيادتها.
في الخلاصة، تبدو إيران وكأنها تُعيد رسم معالم أمنها القومي على وقع أكبر اختبار خاضته منذ سنوات، فيما يُنتظر أن يلعب علي لاريجاني دوراً محورياً في هذه المرحلة الانتقالية، في وقت لا تزال فيه كل السيناريوهات مطروحة… بما فيها الأسوأ.