More

    هل يُشارك بري في تسوية تقضي على “الدولة الشيعية” في لبنان؟

     

    يطرح بعض اللبنانيين، من مختلف الطوائف والمذاهب، سؤالاً مصيرياً: هل يمكن أن يكون الخلاص من الأزمة اللبنانية المتفاقمة منذ عام 1975، ولو بأشكال مختلفة، سياسياً أو عسكرياً، عبر تسوية تضع حداً لما يُسمى “الدولة الشيعية”؟ وهل يُمكن لرئيس حركة “أمل” نبيه بري، شريك “حزب الله” في الثنائي الشيعي، أن يشارك في هكذا تسوية، وهو الذي اضطلع بدور محوري في تنفيذ اتفاق الطائف عام 1989، وإعادة توحيد المؤسسات الدستورية والعسكرية والأمنية؟

    يرى كُثر أن لبري دوراً وطنياً متميزاً عن شريكه في الثنائي، خصوصاً في لحظات التوتر بين “حزب الله” وباقي مكونات المجتمع اللبناني. وقد ساهم مراراً في تجنيب البلاد انزلاقات خطيرة، مدفوعاً بدور الوسيط الذي يحافظ على التوازن بين مصالح الطائفة الشيعية ومصلحة الدولة.

    لكن في المقابل، هناك من يشير إلى تمايز واضح بين “أمل” و”الحزب”، ليس فقط في الأداء السياسي، بل في المرجعيات الدينية والانتماءات العقائدية. ففي حين يُعرف عن بري و”أمل” ميلهما إلى مرجعية النجف وسماحة السيد علي السيستاني، يتمسك “حزب الله” بالولاء لولاية الفقيه في إيران، وهو ما شكّل على مرّ السنوات تمايزاً ضمن الوحدة.

    من حرب الأخوة إلى شراكة النفوذ

    يتذكّر اللبنانيون الصدام الدموي الذي نشب بين “أمل” و”حزب الله” في أواخر ثمانينات القرن الماضي، والذي كان في جوهره صراعاً بين سوريا الأسد وإيران الخميني. وقتها، وقف بري مع دمشق، ودفع ثمناً باهظاً داخل الطائفة الشيعية. لكن تسوية لاحقة رسمت معالم شراكة جديدة: المقاومة لـ”حزب الله”، والعمل السياسي لـ”أمل”، في ظل رعاية سورية.

    بمرور الوقت، ومع رحيل حافظ الأسد، تعاظم دور “حزب الله” إقليمياً، واستمر التحالف الشيعي الداخلي، حتى بات الفريقان يحتكران التمثيل الشيعي ويُمسكان بمفاصل القرار داخل الدولة اللبنانية، من دون العودة إلى الاقتتال.

    هل اقتربت لحظة الفراق؟

    اليوم، وبعد حرب قاسية مع إسرائيل دمّرت أجزاء من الجنوب والضاحية والبقاع، يعود السؤال: هل يُمكن للدولة أن تُنهي هذا الوضع عبر نزع سلاح “حزب الله” استناداً إلى القرار الدولي 1701؟

    الجواب الواقعي: شبه مستحيل.

    ليس فقط لأن الحزب يرفض، بل لأن الرئيس بري، الذي يُفترض أن يُكمل الثلاثية الرئاسية إلى جانب رئيسي الجمهورية والحكومة (جوزف عون ونواف سلام)، غير مستعد للدفع بهذا الاتجاه. فهو يفضّل لعب دور الوسيط، ويحرص على وحدة الطائفة الشيعية وتماسكها، ولا يستطيع مواجهة “حزب الله” أو ضرب ما يُعتبر “دولة شيعية” داخل الدولة، كان له دور كبير في ترسيخها.

    ثأر سوريا… وضعف إيران

    في ظل الحديث عن “الانتقام” السوري من إيران و”حزب الله” بسبب الدور الذي لعباه خلال الثورة السورية، وفي ظل الانهيار الكبير الذي شهدته المنظومة الإيرانية في سوريا، يُطرح السؤال الأكبر:

    هل تستطيع إيران اليوم حماية ما تعتبره “منجزاتها” اللبنانية، بعد عجزها عن حماية منجزاتها في سوريا وحتى داخل حدودها الوطنية؟

    وهل يمكن للرئيس نبيه بري، الذي ظلّ لعقود يلعب على حافة التوازنات المحلية والإقليمية، أن يفصل نفسه عن “حزب الله” في لحظة حرجة قد تُكلّف الطائفة الشيعية غالياً، إذا ما قررت الدول الكبرى والمحيط الإقليمي قلب الطاولة؟

    المرحلة المقبلة ستُظهر مدى قدرة الثنائي الشيعي على التماسك في وجه عواصف خارجية وداخلية غير مسبوقة، ومدى قدرة إيران على الاحتفاظ بنفوذها في لبنان، بعدما بدأت تُفقد أوراقها في سوريا والعراق.

    يبقى السؤال الأبرز:هل آن الأوان لتفكيك “الدولة الشيعية” داخل الدولة اللبنانية، أم أن الأثمان ستكون باهظة على الجميع؟

    Latest articles

    spot_imgspot_img

    Related articles

    spot_imgspot_img