في زاوية ضيقة خلف الخزانة الخشبية القديمة، انكمشت الطفلة فاتنة وادي ذات الأعوام الأربعة، تضع كفيها الصغيرتين على أذنيها في محاولة يائسة لحجب صوت الانفجارات، تتساقط قطع الحجارة من سقف الغرفة فوق شعرها، وتملأ رائحة البارود أنفها الصغير.
واستهدفت طائرات الاحتلال الصهيوني فجر اليوم الجمعة، منزل الطفلة فاتنة وادي في خانيونس بصاروخ مباشر، ما أدى إلى استشهاد والدها محمود ووالدتها هديل الحامل في شهرها السادس، وطفلهما محمد (5 أعوام)، بينما نجت الطفلة وشقيقها قيس (9 أعوام) بأعجوبة.
أصبحت الطفلة وحدها محاصرة بالخوف والدخان، جسدها يرتجف وعيناها الواسعتان تجولان المكان باحثتين عن حضن مألوف أو صوت مطمئن، لكن كل ما حولها كان أصوات صواريخ ودوي انهيار الجدران.
لم تدرك أن اللحظة ستسلب منها كل ما تعرفه من أمان، وأنها ستخرج من الخزانة مع شقيقها الكبير، شاهدة على فاجعة أودت بعائلتها بأكملها، تاركة في قلبها أثرًا لا يُنسى من الرعب والحزن.
عندما تمكن الجيران من الوصول إلى المنزل بعد توقف القصف المؤقت، كانت صورة الفاجعة واضحة لكل من دخل، غرفة مليئة بالدماء والأنقاض، وأشلاء والدها محمود، الذي استشهد مع زوجته هديل الحامل في شهرها السادس، وأخيها الأصغر محمد (5 أعوام).
النجاة كانت حكرًا على فاتنة وقيس فقط، فيما اختفت كل مظاهر الحياة الأخرى من المكان، الطفلة، وسط الأنقاض والدخان، جلست على الأرض متشبثة بالخزانة، وهي تنظر حولها بعينين مليئتين بالدهشة والخوف، تحاول فهم لماذا لم تعد عائلتها موجودة، ولماذا أصبح كل شيء في حياتها مهددًا بهذا الشكل.
الطفلة فاتنة، التي لم تتجاوز السنوات الأربع بعد، أصبحت اليوم شاهدة على جريمة لم ترتكبها هي، لكنها دفعت ثمنها بحجم الصدمة التي عايشتها، الجيران الذين وصلوا إليها تحدثوا عن حالة نفسية صعبة للغاية، ارتجاف مستمر، دموع متقطعة، صمت مطبق لا يعكس إلا حيرة صغيرة لم تستطع التعامل معها.