مع اقتراب انتخابات 2026، تتحول ولاية ميشيغان إلى ساحة سياسية تعكس أعمق التوترات داخل الحزب الديمقراطي الأميركي. فالسباق المفتوح لمقعد مجلس الشيوخ يضم ثلاثة مرشحين بارزين — عبد الستار السيد، وهالي ستيفنز، ومالوري ماكمورو — لكنه في الواقع يتجاوز حدود المنافسة المحلية ليُظهر اتجاهات متباينة حول هوية الحزب وموقع التقدميين، إضافة إلى الانقسام المتجدد حول الحرب على غزة ودور المال السياسي في تشكيل القرار.
عبد الستار السيد… المرشح الذي يراهن على المبدأ
يدخل عبد الستار السيد — الطبيب والناشط التقدمي المعروف ذو الأصول المصرية — السباق مثقلاً بإرث حملته السابقة لمنصب حاكم الولاية عام 2018، والتي وإن لم تنجح في صناديق الاقتراع، فإنها كرّست حضوره السياسي وأكسبته قاعدة شعبية لافتة. هذه المرة يظهر السيد أكثر استعداداً لخوض معركة معقّدة تتداخل فيها اعتبارات السياسة المحلية مع التحولات الوطنية.
يقدّم السيد (31 عاما) نفسه كمرشح واضح الرؤية: نظام رعاية صحية شامل، مواجهة مباشرة مع نفوذ الشركات في الحياة السياسية، وموقف لا لبس فيه بشأن الحرب على غزة. وقد صرّح مراراً: “غزة كانت اختباراً أخلاقياً. من لا يستطيع تسمية ما يجري بالإبادة الجماعية عليه إعادة النظر في منظومته القيمية”. هذا الخطاب جعله يحظى بدعم شخصيات تقدمية بارزة مثل السيناتور بيرني ساندرز، لكنه في الوقت نفسه وضعه في مواجهة مباشرة مع مؤسسات النفوذ التقليدي داخل الحزب.
ثلاثية المنافسة… تقدميان في مواجهة مرشحة المؤسسة
على الجانب الآخر، تمثّل هالي ستيفنز الجناح الوسطي للحزب، وتحظى بدعم واضح من قيادات ديمقراطية ومن جماعات ضغط مؤثرة، وفي مقدمتها منظمة اللوبي الصهيوني إيباك AIPAC التي أسهمت بمبالغ كبيرة في تمويل حملاتها، على غرار ما فعلته سابقاً لإنقاذها من خسارة محتملة أمام النائب التقدمي آندي ليفين.
أما مالوري ماكمورو، زعيمة الأغلبية في مجلس شيوخ ميشيغان، فتقدّم نفسها كصوت تقدمي قادر على منافسة السيد. إلا أنّ تقارير مسرّبة كشفت إعداد حملتها لوثيقة مواقف مُخصّصة لإيباك رغم خطاباتها العلنية الرافضة لتمويلها، وهو ما فتح أسئلة حول مصداقية خطابها ومدى انسجامه مع ممارساتها السياسية.
غزة… البوصلة الأخلاقية للناخبين
لا يمكن قراءة المشهد الانتخابي في ميشيغان بعيداً عن تأثير الحرب على غزة. فالولاية تضم واحدة من أكبر الجاليات العربية في الولايات المتحدة، وقد برز وزنها السياسي بوضوح خلال انتخابات 2024، حين صوّتت مدينة ديربورن بنسبة 18% للمرشحة جيل ستاين احتجاجاً على موقف إدارة بايدن من الحرب.
هذا التحوّل جعل موقف المرشحين من غزة عاملاً حاسماً لدى شرائح واسعة من الناخبين الشباب والعرب والتقدميين. كان السيد أول من وصف ما يجري في غزة بالإبادة الجماعية، ولحقته ماكمورو لاحقاً. في المقابل، بقي خطاب ستيفنز رمادياً، يقتصر على الدعوة إلى “المساعدات الإنسانية” من دون اتخاذ موقف سياسي واضح.
ويرى محللون أن غزة باتت محدِّداً رئيسياً لسلوك الناخبين في الانتخابات التمهيدية، وربما تُعيد رسم خريطة التحالفات داخل الحزب.
المال السياسي… المعركة الصامتة
وراء هذه المواقف الأخلاقية والسياسية تقف معركة التمويل، التي كثيراً ما تحسم السباقات الداخلية للحزب الديمقراطي. فقد جمعت ستيفنز 4.7 ملايين دولار في الأشهر التسعة الأولى من عام 2025، معظمها من شركات كبرى وجماعات الضغط. أما ماكمورو فجمعت 3.8 ملايين دولار، بينما بلغ مجموع تبرعات السيد 3.6 ملايين — من دون أن يتلقى أي دولار من الشركات الكبرى، التزاماً بخطه المناهض لنفوذ المال.
ويرى السيد أن هذا التفاوت ليس مجرد تفاصيل مالية، بل هو انعكاس لأزمة ديمقراطية أعمق. وقال في أحد خطاباته: “المال السياسي شوّه ثقة الناس في النظام، وأضعف دور الناخب، وهو ما يستدعي إعادة النظر في بنية العملية السياسية برمتها”. ويأتي ذلك في وقت تُظهر استطلاعات CNBC أن ثقة الناخبين بالديمقراطيين وصلت إلى أدنى مستوى لها منذ 1996.
تُظهر استطلاعات حديثة تقدّم ستيفنز بنسبة 26%، تليها ماكمورو بـ25%، ثم السيد بـ20%. لكن هذه الأرقام لا تبدو حاسمة، خصوصاً أنّ السيد أثبت عام 2018 قدرته على القفز من 4% إلى 30% خلال أسابيع قليلة قبل الانتخابات. ويُحذّر محللون من أن وجود مرشحين تقدميين قد يشتت أصوات القاعدة التقدمية، مما يمنح ستيفنز أفضلية واضحة. غير أن آخرين يؤكدون أن عاملَي غزة والمال السياسي قد يعيدان رسم المشهد فجأة خلال الأشهر القادمة.
صراع يتجاوز ميشيغان
ما يجري في ميشيغان ليس مجرد سباق محلي؛ بل هو صراع على مستقبل الحزب الديمقراطي نفسه: هل يبقى الحزب أسيراً لجماعات الضغط وللمقاربات التقليدية؟ أم يتجه نحو طروحات تقدمية أكثر جرأة تستجيب لتحولات الجيل الجديد؟ السيد وماكمورو يراهنان على الخيار الثاني، بينما تمثّل ستيفنز استمراراً للنهج التقليدي.
وتقف ميشيغان على مفترق طرق. معركة مجلس الشيوخ قد تحدّد مسار التقدميين داخل الحزب، ومستقبل التعامل مع المال السياسي، وموقع الناخبين العرب والشباب في العملية الديمقراطية. ويبقى السؤال: هل تكفي حملة قائمة على المبدأ — كما يُصوّرها السيد — لتحدي النفوذ المالي والسياسي المتجذّر؟ أم أن قواعد اللعبة في النظام الأميركي ستظل تحسم النتيجة مسبقاً؟
تكشف معركة ميشيغان أن الحزب الديمقراطي يواجه لحظة مساءلة داخلية غير مسبوقة، حيث لم يعد الناخبون يقبلون الخطاب الرمادي أو التمويل غير المعلن. جيل جديد من الناخبين يعتبر غزة معياراً أخلاقياً، ويرى في نفوذ الشركات تهديداً للديمقراطية. ومع تنامي هذا الوعي، يبدو أنّ مستقبل الحزب يتوقف على قدرته على مواجهة هذه التحديات لا التهرب منها.




