في خطوة وُصفت بأنها متقدمة في سياق العلاقات السورية اللبنانية، أثار اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام بالرئيس السوري أحمد الشرع، تساؤلات واسعة حول ما إذا كانت هذه المبادرة تمهّد فعليًا لفتح صفحة جديدة بين البلدين بعد سنوات طويلة من التوتر والتشابك الأمني والسياسي والاقتصادي.
الزيارة، التي جرت في العاصمة السورية دمشق، عكست رغبة مشتركة في إعادة صياغة العلاقة بين لبنان وسوريا على أسس من الندية والاحترام المتبادل للسيادة، في ظل تغيرات داخلية وإقليمية فرضت نفسها على المشهدين السياسيين في البلدين.
تحوّل في النهج السياسي
يرى مراقبون أن اللقاء لا يُعد قطيعة نهائية مع الماضي، لكنه يمثل تحولًا ملحوظًا في النهج السياسي، خصوصًا في ظل وجود نية واضحة لمعالجة ملفات شائكة، أبرزها ترسيم الحدود وملف المعتقلين المتبادل، بكل ما يحمله من تعقيدات قانونية وإنسانية.
العميد منير شحادة، المنسق السابق للحكومة اللبنانية لدى “اليونيفيل”، أكد في حديثه لـ”إرم نيوز” أن التغييرات السياسية الأخيرة، لا سيما مع تولّي العهد الجديد في سوريا، ساهمت في كسر الجمود القائم منذ سنوات، معتبرًا أن التقدم في ملف ترسيم الحدود — حيث لا تزال هناك 27 نقطة خلافية — يُعد مؤشرًا على وجود رغبة سورية حقيقية في تنظيم العلاقة الحدودية بعد سنوات من الفوضى.
ملف المعتقلين… بوابة صعبة ولكن ممكنة
وحول ملف المعتقلين، أشار شحادة إلى أن هناك عددًا كبيرًا من السوريين في السجون اللبنانية، ومثلهم من اللبنانيين في سوريا، مؤكدًا أن اتفاقًا محتملاً لتبادل السجناء قد يسهم في التخفيف من أزمة الاكتظاظ، بشرط استثناء المتورطين في جرائم ضد الجيش والمؤسسات الأمنية اللبنانية.
فهم مشترك لأمن الحدود
من جانبه، رأى العميد اللبناني المتقاعد خالد حمادة، مدير المنتدى الإقليمي للاستشارات والدراسات، أن العلاقات اليوم تشهد بداية لمسار جديد، يتجاوز مرحلة الهيمنة السورية على القرار اللبناني. وأشار إلى أن هذه المرحلة الجديدة ترتكز على فهم مشترك لأمن الحدود، واحترام قرارات مجلس الأمن، لا سيما القرار 1701 والقرارات ذات الصلة التي تدعو إلى ضبط السلاح غير الشرعي وخروج القوى المسلحة غير اللبنانية.
ولفت حمادة إلى أن التعاون المشترك بين بيروت ودمشق قد يصطدم بعوائق، أبرزها التباطؤ اللبناني في تنفيذ هذه الالتزامات، إضافة إلى تحديات تتعلق بانتشار السلاح في البقاع والحدود الشرقية، وملف الأملاك اللبنانية داخل القرى السورية الحدودية، التي باتت خاضعة لتحالفات ميدانية مع الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري.
بداية مسار… لا عودة إلى الوراء
رغم تعقيدات المشهد، يتفق الطرفان على أن العودة إلى المرحلة السابقة من العلاقات لم تعد واردة، وأن المرحلة المقبلة ستشهد مراجعة للعديد من الاتفاقيات، وعلى رأسها “اتفاقية المجلس الأعلى اللبناني السوري”، التي لطالما أثارت الجدل بشأن صلاحياتها وتأثيرها على السيادة اللبنانية.
وفي ختام مداخلته، شدد حمادة على أن بعض الملفات ستتطلب وقتًا طويلًا لحسمها، لكن المؤشرات العامة توحي بأن الماضي بدأ يُطوى، وأن لبنان وسوريا يسلكان طريقًا جديدًا نحو علاقة متوازنة وأكثر نضجًا