More

    من الاحتجاج إلى المقاطعة: كيف تؤثر المعارضة على اقتصاد تركيا؟

    تشهد تركيا ضغوطاً اقتصادية متصاعدة في ظل توترات سياسية داخلية أثّرت بشكل مباشر على الأسواق واستقرار العملة الوطنية. فقد أعلنت لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي التركي رفع سعر الفائدة الأساسي بمقدار 350 نقطة أساس ليصل إلى 46%، فيما ارتفع أيضاً سعر فائدة الاقتراض إلى 49%. ويأتي هذا القرار المفاجئ خلافاً للتوقعات السابقة التي رجّحت تثبيت الفائدة عند 42.5% خلال نيسان/أبريل، نتيجة تطورات الأسواق وتصاعد الضغوط التضخمية.

    وأرجع البنك المركزي في بيانه الرسمي هذا الإجراء إلى الحاجة لاحتواء “الارتفاع الطفيف المتوقع في التضخم الأساسي خلال نيسان/أبريل”، مشيراً إلى أن الفائدة عادت الآن إلى مستويات تفوق تلك التي كانت في كانون الثاني/يناير 2024، بعد أن جرى تخفيضها تدريجياً من 50% في كانون الأول/ديسمبر 2023.

    في السياق السياسي، فجّرت حادثة اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، موجة تصعيد بين الحكومة والمعارضة، تخللتها احتجاجات واسعة ودعوات إلى مقاطعة استهلاكية، انعكست بشكل ملحوظ على حركة الأسواق والإنفاق المحلي. كما امتدت تداعيات هذه الأزمة إلى العلاقات الدولية، حيث قررت ألمانيا تعليق صفقة بيع طائرات “يوروفايتر” لتركيا، في خطوة اعتُبرت بمثابة رد فعل مباشر على اعتقال إمام أوغلو.

    الضغوط السياسية دفعت البنك المركزي التركي إلى إنفاق ما يقرب من 40 مليار دولار من احتياطاته في محاولة يائسة للدفاع عن الليرة ومنع تجاوز سعر الصرف حاجز 40 ليرة مقابل الدولار. واعتبر مراقبون أن هذا الإنفاق المكثف يعكس اضطراباً في السياسة الاقتصادية، ويقوّض الثقة ببرنامج الحكومة لمكافحة التضخم.

    وفي إطار حملة المعارضة، شهدت البلاد في 2 نيسان/أبريل حملة مقاطعة استهلاكية قادها طلاب جامعيون، انعكست مباشرة على المؤشرات الاقتصادية اليومية. ووفق دراسة أعدتها مؤسسة السياسات الاقتصادية التركية (TEPAV)، سجّل الإنفاق عبر البطاقات المصرفية تراجعاً بنسبة 10%، بينما انخفضت التحويلات الفورية بنسبة 37.7%، مقارنة بأول يوم عمل بعد عيد الفطر في العام السابق. أما التجارة الإلكترونية، فكانت الأكثر تضرراً، حيث تراجعت بنسبة 58.7% مقارنة بأيام العمل الأولى في شهري شباط/فبراير وآذار/مارس.

    وأكدت المؤسسة أن للمقاطعة الاستهلاكية أثرًا اقتصاديًا ملموسًا، تجاوز كونه حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، رغم محدودية القدرة على قياس التأثير بدقة بسبب طبيعة البيانات الأسبوعية المتاحة من أنظمة الدفع.

    تعكس هذه المؤشرات كيف أن التوتر السياسي المتصاعد في البلاد بدأ يثقل كاهل الاقتصاد التركي، ويضعف أدوات الحكومة في التعامل مع التضخم والانكماش، ما يهدد بمزيد من التحديات في الفترة المقبلة.

    Latest articles

    spot_imgspot_img

    Related articles

    spot_imgspot_img