عاشت محافظة عكار مجدداً ساعات مأساوية مع انطلاق موسم الحرائق بشكل مبكر هذا العام، بعدما اندلع حريق كبير بعد ظهر الأحد في محلة مقل البغل، وامتد إلى محمية بطحة الشوح في أعالي جرد القبيات، والمناطق المتداخلة عقارياً في بلدات سيسوق، بزال، عكار العتيقة، وادي خالد، وغابة الصنوبر في برقايل.
إبادة بيئية في القبيات
في القبيات وحدها، تشير التقديرات الأولية إلى احتراق نحو 20 هكتاراً من الغابات الحرجية التي تضم الصنوبر البري، الكوكلان، الشوح الكيليكي، الأرز واللزاب. النيران التهمت آلاف الأشجار، وحولت الغابة من لوحة طبيعية خضراء إلى أرض سوداء يغطيها الرماد.
ساهمت فرق الإطفاء في الدفاع المدني، إلى جانب الجيش اللبناني ومتطوعين من أبناء القبيات والناشطين البيئيين، في محاصرة الحريق والسيطرة عليه رغم صعوبة التضاريس وتعذر وصول خراطيم المياه إلى عمق الغابات. وشكّل تدخل طوافة الجيش عنصراً أساسياً في كبح تمدد ألسنة اللهب، بينما عملت الجرافات على فتح الطرق وطمر البؤر المشتعلة.
أحد المتطوعين قال لـ”النهار”: “عشنا ظروفاً شديدة الصعوبة، لكن الإرادة الجماعية غلبت جحيم النيران. الخسائر الطبيعية جسيمة، ولا يمكن تعويض محمية بطحة الشوح التي تحوّلت أشجارها الدهرية إلى هياكل سوداء”.
حرائق في بزال وسيسوق
المشهد لم يختلف كثيراً في بلدتي بزال وسيسوق في منطقة جرد القيطع، حيث اندلعت النيران في الأراضي الزراعية وبساتين الزيتون والغابات، مهددة أرزاق الناس ومصدر تنفسهم البيئي. وقد لعبت طوافة الجيش مجدداً دوراً محورياً في عملية الإطفاء.
غابة برقايل الفريدة لم تسلم
في بلدة برقايل، اندلع حريق مفاجئ في غابة الصنوبر الصغيرة التي كانت تشكّل منذ سنوات طويلة ملاذاً لسكان المنطقة. النيران أتت على الجزء الأكبر من الغابة، مخلفة دماراً كبيراً في واحدة من أبرز المساحات الحرجية الترفيهية في عكار.
وزيرة البيئة: لا حرائق من دون تدخل بشري
خلال تفقدها آثار الحريق في القبيات، أكدت وزيرة البيئة تمارا الزين أن “الحرائق لا تندلع غالباً من دون تدخل بشري”، وشددت على ضرورة فتح تحقيق شفاف لتحديد المسببات ومحاسبة كل من يثبت تورطه أو تقصيره، مضيفة أن أي تهاون سيتم التعامل معه بحزم وفق الأطر القانونية.
مجلس البيئة: لمنع استغلال الكارثة
رئيس “مجلس البيئة” في القبيات الدكتور أنطوان ضاهر، شدد على ضرورة:
- توقيف من تسبب بالكارثة، سواء عن قصد أو نتيجة الإهمال.
- منع أي محاولة لاستغلال الحطب المحروق، وتركه في مكانه حفاظاً على التوازن البيئي.
- إنشاء غرفة عمليات بلدية دائمة، بالتنسيق مع مركز قيادة ميدانية للدفاع المدني.
- مراقبة الغابة المحروقة لخمسة أيام على الأقل بعد الإطفاء.
- منع حرق الأعشاب اليابسة بين نيسان وتشرين الثاني.
وأكد ضاهر أن “الهياكل المحترقة للأشجار تلعب دوراً بيئياً مهماً، كونها توفر حماية للنباتات الصغيرة وظلاً للكائنات الحية التي قد تعود تدريجياً إلى المنطقة”.
نحو موسم كارثي ما لم يتم التحرك
مع بدايات الصيف، يبدو أن عكار مقبلة على موسم حرائق كارثي ما لم تبادر الجهات الرسمية والبلديات إلى رفع جهوزيتها. المطلوب دعم مراكز الدفاع المدني بشكل عاجل بالمعدات والتجهيزات، وتفعيل دور مأموري الأحراج، والتعاون الوثيق بين البلديات والجمعيات البيئية وهيئات المجتمع المحلي. كما يُفترض التبليغ الفوري عن أي تعديات على الغابات أو محاولات لقطع الأشجار والاستفادة من الكارثة.
إذا استمر الإهمال، فستُحسم المعركة لصالح تجار الحطب، على حساب غابات عكار الفريدة التي تُعد من أهم النظم البيئية في لبنان، وموئلاً رئيسياً للطيور والحيوانات البرية