أصدر معهد أريج تقريرا حول “خرق صهيوني لاتفاقية الخليل بإنشاء مستوطنة جديدة في منطقة (H1)”، والذي سلط الضوء فيه على قرار سلطات الاحتلال بالمصادقة على مشروع استيطاني في منطقة H1 .
وجاء التقرير كالتالي:
في خطوة استفزازية جديدة، أقدمت سلطات الاحتلال الصهيوني على وضع بؤرة استيطانية جديدة في قلب مدينة الخليل، وتحديدا في منطقة (H1) الخاضعة للسيطرة الفلسطينية الكاملة وفق اتفاقية الخليل الموقعة عام 1997.
يمثل هذا الإجراء خرقا صارخا للاتفاقيات الموقعة، وانتهاكا للقانون الدولي، وإمعانا في سياسة فرض الوقائع على الأرض عبر الاستيطان والتوسع الاستيطاني – الاستعماري، الامر الذي سيسهم في استمرار وتعزيز الحصار المفروض منذ أكثر من 20 عاما ويعزز الشعور بالظلم والإقصاء لدى الفلسطينيين، ما يفاقم التوتر المجتمعي ويدفع نحو المزيد من التصعيد.
اتفاقية الخليل 1997
نصت الاتفاقية على تقسيم المدينة إلى منطقتين، أطلق عليهما:
(H1) تحت سيطرة السلطة الفلسطينية الكاملة، وتشمل معظم أحياء المدينة.
(H2) تحت السيطرة الأمنية الصهيونية وتضم المستوطنين والمناطق المحيطة بالحرم الإبراهيمي.
وفقا للاتفاقية والأوامر العسكرية الصهيونية، يحظر على المستوطنين دخول مناطق (H1) إلا في حالات استثنائية. وعلى مدار العقدين الماضيين، فرض الاحتلال قيودا قاسية على سكان تل الرميدة، شملت تقييد وحتى منع حركة المركبات الفلسطينية، وإغلاق المداخل، وإقامة الحواجز، وإخضاع الدخول والخروج لقيود صارمة تنتهي يوميا عند الساعة 9:00 مساء.
التطورات الأخيرة في تل الرميدة
في مطلع عام 2025 تصاعدت اعتداءات الاستيطان في المنطقة، حيث شهد شهر آذار اقتحام المستوطنين لمنزل عائلة التميمي والسيطرة عليه بزعم شراء أجزاء منه، ليقيموا فيه مستوطنة جديدة أطلقوا عليها اسم “حي غاؤون يهودا”، في خطوة تعكس سياسة فرض أمر واقع استيطاني بالقوة. وبالتوازي مع ذلك، تم وضع في بداية العام كرفانان جديدان على أرض فلسطينية خاصة تحمل الرقم (37)، تقع في موقع حساس بين مسجد ومدرسة ثانوية للبنات غرب المقبرة اليهودية، وهو ما يزيد من حدة الاحتكاك المباشر مع السكان الفلسطينيين ويكشف عن طابع الاستفزاز المقصود في اختيار الموقع. كما شرع مسؤول الآثار في “الإدارة المدنية” بأعمال حفريات جديدة ذات طابع موجه، تستهدف توسيع مشروع سياحي استيطاني، رغم أن الأرض تعود ملكيتها لفلسطينيين، وهو ما يؤكد توظيف الرواية الأثرية كأداة لشرعنة الاستيطان ومصادرة الأرض، وهو ما يعكس منظومة متكاملة من السياسات الرامية إلى إحكام السيطرة الاستيطانية وتغيير الطابع الجغرافي والثقافي للمنطقة.
المستوطنة الجديدة وموقعها
تقع المستوطنة الجديدة على قطعة أرض استراتيجية، يزعم المستوطنون أنها كانت مملوكة لليهود قبل عام 1948، الأمر الذي يمنح المشروع بعدا رمزيا وسياسيا يتجاوز مجرد السيطرة المكانية. ويزداد المشهد توترا لكون الأرض ملاصقة مباشرة لمسجد ومدرسة فلسطينية، ما يجعل الاحتكاك اليومي أمرا شبه حتمي. فمنذ وضع الكرفانات الاستيطانية في الموقع، أغلق أحد مداخل المسجد والمدرسة، ما انعكس سلبا على حياة الطلاب والمصلين والسكان المحليين، وزاد من شعورهم بالعزلة والتضييق. وإلى جانب ذلك، فإن المستوطنة الناشئة معزولة عن بقية التجمعات الاستيطانية القائمة، ما يعني أن حمايتها ستتطلب استقدام تعزيزات عسكرية جديدة، وبالتالي فرض المزيد من القيود والإجراءات الأمنية على الفلسطينيين، وهو ما يضاعف من معاناتهم اليومية ويعكس كيف يتحول كل مشروع استيطاني جديد إلى أداة لإعادة تشكيل المشهد الجغرافي والسكاني على حساب الوجود الفلسطيني.
الأبعاد القانونية والسياسية
تشييد المستوطنة الجديدة في قلب الخليل يحمل أبعادا قانونية وسياسية وأمنية بالغة الخطورة. فعلى الصعيد القانوني، يعد هذا المشروع خرقا صارخا لاتفاقية الخليل، إذ تقع المستوطنة في منطقة (H1) التي يفترض أن تبقى تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة، كما أنه يشكل مخالفة صريحة للأوامر العسكرية الصهيونية نفسها، حيث يوجد أمر عسكري ساري منذ أكثر من عقدين يمنع دخول المستوطنين إلى هذه المنطقة. وإضافة إلى ذلك، فإن الخطوة تمثل انتهاكا مباشرا للقانون الدولي، حيث تحظر المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة (1949) على قوة الاحتلال نقل سكانها المدنيين إلى الأراضي المحتلة، كما أن قرارات مجلس الأمن الدولي، مثل القرار 2334 لعام 2016، تؤكد بشكل واضح عدم شرعية المستوطنات وتعتبرها عقبة أمام السلام. أما على المستوى السياسي والأمني، فإن هذه المستوطنة تقوض العملية السياسية وتوجه رسالة واضحة بأن الكيان غير معني بالالتزام بالاتفاقيات أو إحياء عملية السلام، كما أنها تؤجج التوترات داخل الخليل من خلال زرع بؤرة استيطانية جديدة في قلب الأحياء الفلسطينية. ومن ناحية اخرى، يفرض المشروع تحديات أمنية حتى للكيان نفسه، حيث ستحتاج إلى نشر قوات إضافية لحماية المستوطنة، وتوسيع دائرة القيود الأمنية، ما يزيد من كلفة الاحتلال على المدى البعيد ويكرس واقعا من عدم الاستقرار.
الخلاصة: إن إنشاء المستوطنة الجديدة في منطقة (H1) في قلب مدينة الخليل لا يمكن اعتباره مجرد توسع استيطاني عابر، بل هو خطوة ذات أبعاد قانونية وسياسية وأمنية واجتماعية عميقة، تمثل خرقا صارخا للاتفاقيات الدولية وتحديا مباشرا للقانون الدولي، وضربة قاسية لجهود تحقيق السلام. هذه المستوطنة، المقامة في منطقة يفترض أن تبقى تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة بموجب اتفاقية الخليل، تشكل استفزازا خطيرا يقوض فرص أي حل سياسي قائم على احترام الاتفاقيات السابقة، ويهدد النسيج الاجتماعي والمعيشي للفلسطينيين في تل الرميدة، كما يفاقم من التوترات الأمنية والسياسية التي قد تمتد آثارها إلى مجمل الوضع في الضفة الغربية. وانطلاقا من هذه التداعيات، فإن التحرك لمواجهة هذا المشروع الاستيطاني يستوجب تفعيل عدة مسارات متوازية:
أولها، دعوة المجتمع الدولي، وخاصة الأطراف الموقعة على اتفاقيات أوسلو والخليل، لممارسة ضغط فعلي على الاحتلال لوقف المشروع فورا،
ثانيها، تفعيل أدوات المساءلة القانونية من خلال اللجوء إلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية لفضح هذه الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها،
ثالثها، تعزيز الصمود المحلي عبر دعم سكان تل الرميدة ماديا ومعنويا وتوثيق الانتهاكات بشكل منهجي لتثبيت الرواية الفلسطينية،
وأخيرا، إطلاق حملة دبلوماسية وإعلامية واسعة لتسليط الضوء على خطورة ما يحدث في الخليل باعتباره اختبارا جديا لقدرة القانون الدولي الإنساني على حماية الشعوب الخاضعة للاحتلال.